تفسير الشعراوى لسورة الفاتحة

تفسير الشعراوى لسورة الفاتحة
إذا كنا نريد أن نعيش القرآن وأن نحيا الكتاب فنحن لا نطمع فى أن نفسره لأن تفسير القرآن متروك للزمن إلى أن تقوم الساعة وكل زمن سيتسع لتفسيره تفسيرا يتفق مع طبائع الكون كله أما الأحكام التخليقية فلا تريد تفسيرا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى منها لأنها أمر يتعلق به ثواب وعقاب والأمر المتعلق به ثواب وعقاب يستوى عنده من أدرك عصر النبوة ومن يدركه قيام الساعة فيجب ألا يكون فيه شىء غامض فإن كان هناك كنز لبعض الأطراف فذلك الكنز لأن بعض العقول لا تطيق أسرار الحياة التى يشير إليها القرآن الكريم ومن ذلك أن كل مفسر يحوم بخواطر ايمانية حول القرآن الكريم فإذا ما أردنا أن نحوم بخواطرنا الايمانية حول القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم طلب من أى مؤمن حين يقرأ الآية قبل أن يفسرها أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتلك فى أول اللقاء مع القرآن ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
فذلك أمر طبيعى لأن معوقات المنهج عند الانسان المؤمن إنما هى من عمل الشيطان والشيطان له عداوة مسبقة مع الانسان المؤمن استكبر وقال خلقتنى من نار وخلقته من طين أنا خير منه أأسجد لما خلقت طينا كل ذلك يدل على أن العداوة عداوة مسبقة وإذا كان الشيطان ممثلا فى ابليس قد عصى الله فإن الحق سبحانه وتعالى أعلن طرده من رحمته وسماه غشيما مبعدا لأنه إن لم يكن غشيما مبعدا ربما قلت مكلف عصى الله وهو عرضة لأن يقبل الله توبته فيريد الحق أن يقطع حسن الظن بوسوسة الشيطان حكم الله عليه بأنه مطرود من رحمته تعالى وعاص أخذ على عاتقه ( لأغوينهم أجمعين ) ولكن انظروا إلى المنفذ الإغوائى عند ابليس ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) فقوله بعزتك أى عن خلقك ولو أن الخالق أرادهم جميعا مهديين لما استطاع الشيطان أن يتقدم ناحيتهم ولذلك استثنى ( إلا عبادك منهم المخلصين ) وقال ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ثم شرح الصراط المستقيم ( ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) فالشيطان لا يقعد للانسان فى طريق الشر لأن طريق الشر غير محتاج إليه ولكنه يقعد إليهم فى طريق الخير من أجل ابعادهم عنه أى الخير فابليس مصمم على إغواء الانسان بكل الطرق التى تبعده عن طريق الله وعن طريق الجنة وتقربه إلى طريق الشيطان وطريق النار .
فقراءة القرآن تبعد الشيطان عن الانسان وتخوف الشيطان وتقرب الانسان إلى الله تعالى وتفتح للانسان أبواب الرزق فى الدنيا .
إن الاستعاذة بالله عز وجل عند قراءة القرآن تصفى النفس البشرية وتعيدها إلى الفطرة الايمانية حتى تخلصها من وسوسة الشيطان الذى قد يعوق قابلية النفس المطمئنة إلى ما فى القرآن من مجد .
فاستعاذة قارىء القرآن بالله عز وجل من الشيطان الرجيم اعداد للنفس حتى تستقبل كلام الله بصفاء لا يشوبه نقص وحين تستعيذ بالله عز وجل من الشيطان تستعين بمن خلقك لا يقوى الشيطان على الانفراد بالانسان دون خالقه أما أن تكون فى معية الله فلا يقوى الشيطان على الذهاب للانسان أبدا فالمعية مع الله سبحانه وتعالى يعطيها الله قدرة على العالم حيث أن أبوبكر الصديق رضى الله عنه فى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو نظر أحد المشركين إلى تحت أقدامه لرآنا ) فقال رسول الله ( ما بالك باثنين الله ثالثهما ) ( لا تحزن إن الله معنا ) .
فالشيطان لم يدخل معركة مع الله ولكن الشيطان دخل فى معركة مع خلق الله فمن أراد أن يتمسك به الشيطان فلينعزل عن الله ومن أراد ألا يتمسك به الشيطان فليدم صلته مع الله .
( بسم الله الرحمن الرحيم )
فالقرآن بدأ مقروءا باسم ربه أى بسم الله فالمسألة واضحة .
رسول الله حينما كان فى غار حراء وهبط عليه الوحى قائلا إقرأ فقال رسول الله ما أنا بقارىء فرسول الله منطقيا مع نفسه والحق تبارك وتعالى منطقيا مع قدرته فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بقدرة ربه تعالى .
وقدرة الانسان بالنسبة لقدرة الله تعالى لا تساوى شيئا .
فقدرة الانسان محدودة بعوامل عديدة أما قدرة الله تعالى فليست محدودة بل مطلقة .
فالحق سبحانه وتعالى حينما يبدأ قرآنه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فعلى الانسان حينما يقدم على أى عمل فى حياته أن يذكر الله تعالى بقوله ( بسم الله ) وعليه أن يتعود أن يقولها دائما وأبدا فى كل قول وعمل فى حياة الانسان الدنيا .
فالرحمن الرحيم اشتقاقان من الرحم وهو مكان الجنين فى بطن الأم .
ومن الرحمة فالرحمة من الرحم فالرحمن الرحيم الرحمن الذى يرحم خلقه والرحيم كثير الرحمة بخلقه دائما وأبدا والرحيم صيغة مبالغة من الرحمة فالله سبحانه وتعالى رحمن رحيم بعباده كثير الرحمة بهم حينما يطيعون أوامره تعالى ويجتنبون معاصيه .
ثلاث أسماء لله تكررت فى البسملة وتكررت فى الحمد والتكرار فى القرآن الكريم لا نسميه تكرارا وإنما نسميه تأسيسا لمعنى جديد فهو فى ظاهره تكرار للفظ ولكن سياقه يتطلب من جهة أخرى فنحن نقول بسم الله حينما نبتدىء فعل الأشياء فبسم الله لما نفعل ولكنا نقول الحمد لله على ما فعل له .
بسم الله الذى سخر لى مالا قدرة لى عليه فأنا أقبل على فعل الأشياء ليس بقدرتى ولكن بقدرة من سخرها لى وهو الله تعالى .
ولكن حينما نقول الحمد لله فالحمد هنا لله على ما فعل لنا فبسم الله على ما نفعل والحمد لله على ما فعل لنا .
الرحمن الرحيم لها فى السياق مدخل غير مدخل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم معنى جديد ومذاق آخر وهو الحمد لله رب ورب تعنى السيادة والسيطرة والسيادة تعنى الملكية .
والحمد انفعال ومعنى الانفعال أنك تستقبل الأشياء بفكرك ثم تستقر فى وجدانك عقائد ومعنى عقائد أنها تعقد لا تحل ثم تشع فى كل الجوارح والنعمة بكل كيان الانسان والشكر على النعمة .
( مالك يوم الدين ) أى مالك يوم القيامة
لقد تعلمنا أن مقدمات الحمد الأول تؤدى بنا إلى شىء جديد وهى نتيجة للحمد لكنها تعطى مقدمة أن الاله الغيب أصبح بكل الأسماء والصفات حاضرا لديك وما دام حاضر فعلمك الله ألا تخاطبه بعد هذا الاستحضار الذى أحضر به ذاته إليك الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين كلها غيبا وفى القياس إياه نعبد ولكنه قال اياك نعبد أى كنت فى عالم الغيب وأصبحت حاضرا وما دام أصبحت حاضرا يارب فتخاطب اياك نعبد فالكاف مناسبة للقياس أى نعبدك ولا نعبد غيرك أى التخصيص بالعبادة فما هو المطلوب من خلقك فالمطلوب من الخلق هو مطلوب كل صانع ماهر أن يرى صنعة تعبد ولذلك جعل الله هناك مطالب الهواة أى جعل الانسان يخرج شىء جميل .
( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) أى أن الهدف الأسمى من خلق الجن والانس هو عبادة الله تعالى فأفعال الله لاتعلل ولكنها تعود على غيره بالفائدة والدافع للخلق هو ارادة العبادة وأنا أريد أن أخلق باختيارى ليعبدنى الخلق باختياره وكل الخلق عبيد متحققة فى الجميع ويريد أن يحقق كلمة عباد منطقة الاختيار فيهم فالذى نقهر عليه كلنا عبيد وأن الذى لنا فيه اختيار كلنا عباد .
( قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا )
الذى يأتيك بالحب وهو قادر على ألا يأتيك هو العباد وحين يريد الحق ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) يريدهم الحق عباد وليس عبيد .
العبيد متساوون فيما يقهرون عليه أما عباد فمنطقة الاختيار فيهم والذى يختار الله فهو عباد والعبادية تأتى بالحب لله
من الذى يريد تحقيق العبودية لله ؟
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فهو قمة الأتقى .
( وتوكل على الحى الذى لا يموت ) فنعتز لأننا نخضع لإله وعبوديتنا لله تعطينا الخير من الله عز وجل .
( اياك نعبد واياك نستعين ) أى خصصناك بالعبادة ونستعين بك يا الله على العبادة باتباع أوامرك واجتناب نواهيك ونستعين بالله فى كل أمور حياتنا والانسان المؤمن تصبح صفقته مع الله غالية .
نتكلم الأن عن خاتمة فاتحة الكتاب بقولنا ( آمين ) اسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذن هى من مقول جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن وكلمة آمين تعنى استجب ياالله فيما دعوناك به من قولنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخر السورة والدعاء بقولنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) دعاء بمطلوب وقولنا آمين دعاء بتحقيق المطلوب لا زيادة على المطلوب واختلف العلماء هل هى عربية أم غير عربية ويعنون بذلك أصالة وجودها والذين يقولون أنها غير عربية أى أنها منقولة من لغات أخرى كيف تدخل كلمة غير عربية فى القرآن الذى حكم الله أنه عربى ولهؤلاء نقول :
إن وجود كلمة من الكلمات ليست فى أصلها عربية فى القرآن الكريم لا ينفى أن القرآن كله عربى لأن معنى أنه عربى أنه إذا خوطب به العرب فهموه فلو أن ألفاظا دخلت على لغة العرب من لغات أخرى قبل نزول القرآن ثم دارت بها الألسن وأخذتها أساليب البيان عند الناس أصبح الذين يسمعونها بعد الدخول الأول أو بعد وافدتها الأولى يسمعونها على أنها عربية وحين يأتى القرآن بما دار على الألسنة وألفته الأذان يقال أنه عربى فليس المراد بالعربى مولد العربى لا إنما المراد أن القرآن نزل بهذا اللفظ وهذا اللفظ له فروع على ألسنة العرب لا يقل فروعا عن أى لفظ آخر وما دام اللفظ قد شاع فى الألسنة قولا وعلى الأذان استماعا فإن الأجيال التى تستقبله بعد ذلك لا تسبق بينه وبين غيره من الكلمات التى ميلادها عربى لأنه أصبح الاستعمال عربيا .
فالقرآن لم ينشىء كلمة جديدة بالعربية من غير العربية ولكنه جاء بكلمات هى فى الميلاد غير عربية ولكنها ساعة نزول القرآن كانت شائعة شيوع المجد العربى فلم تختلف أبدا فاللغة عبارة عن ألفاظ يصطلح على معانيها فى حين أطلق اللفظ ثم المعنى فآمين كانت مستعملة بمعنى استجب واستجب معناها فى اللغة ليست فعلا وإنما هى اسم يدل على الفعل لأننا سنضطر إلى بعض التقييد بصورة ميسرة مبسطة فاللغة التى نتكلمها لا تخرج عنه اسم وفعل وحرف فماهو الاسم وماهو الفعل وماهو الحرف فالاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة هذه الكلمة لها معنى فى ذاتها هذا المعنى هو مستقل يالفعل أم غير مستقل بالفعل فالمعنى دل على الظرفية وعلى الاستعلاء فالكلمات الثلاثة لها معان المستقل بالفهم وغير المستقل بالفهم فإذا رأيت شيئا والزمن جزء منه ولكنه لا يقبل العلامة فهو ليس فعل بل هو اسم على فعل أى اسم فعل مدلوله استجب فمرة يكون ماض ومرة يكون مضارع ومرة يكون أمر .




Comments

Popular posts from this blog

تفسير سورة الزخرف للشعراوى

تفسير الشعراوى لسورة النجم

تفسير سورة الزخرف للشعراوى