تفسير الشعراوى لسورة الحشر

تفسير الشعراوى لسورة الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم
( سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم ) سميت سورة الحشر وقد جاءت بعد سورة المجادلة فى آخر سورة المجادلة حزبان حزب الشيطان الذى قال الله فيه ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله اولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) وحزب الله ( لا تجدوا قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كان آباءهم أو أبنائهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )
أراد الحق فى سورة الحشر بالتدقيق العملى لهذه النظريات كلها ( سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم )
( سبح لله ما فى السموات والأرض ) بدون ( وما ) وهنا ( سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض ) عطف ما على ما لأن لله جنود فى السماء فقط وجنود فى الأرض فقط وجنود فى السماء والأرض معا فالكل يسبح ( وما من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أى لأن كل شىء له لغة خاصة يسبح بها الله وهذه اللغة مختلفة عن لغة الانسان الذى يسبح بها الله والتسبيح هو التنزيه المطلق لله فى الأقوال والأفعال لأن الزمن مع الأحداث يتطلب تناقضا عكسيا
( وهو العزيز الحكيم ) العزيز الذى يغلب ولا يغلب وهو الذى يضع كل شىء فى موضعه .
( هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ) عند أول الحشر . الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وجد بها طوائف منهم طائفة اليهود وطائفة الأوس وطائفة الخزرج أما طائفة اليهود فبمعاداتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال الله فى حقهم ( وقطعناهم فى الأرض أمما ) .
( وظنوا أن مانعتهم حصونهم من الله فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار ) .
( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) قضية ايمانية
( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) وهنا لم يذكر ورسوله لأن الله ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) لأن الرسول مكلف بالتبليغ عن ربه وهذه ميزة للرسول ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله ) القطع فيه حكمة والترك فيه حكمة ( وليخزى الفاسقين ) ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجستم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير ) أوجس أسرع بالدابة ( واعلموا أن ماغنمتم من شىء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لايكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) ( والذين تبوؤا الدار والايمان يحبون من هاجر إليهم من قبلهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا إلى الايمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رءوف رحيم )
( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لإن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون ) .
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون )
( لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) ( لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) فكما رأيتم عطاءه بالربوبية فانظروا تكليفه بالألوهية ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) واياكم أن تظنوا أن مناهج الله لحركة الحياة الدنيا التى تسعدكم بأن تجتهدوا وتخلوا قلوبكم من الحقد والغش لأن الدنيا مهما طالت لا تظنوها من آدم إلى أن تقوم الساعة بل الدنيا كل واحد مقدار تواجده فيها بمعنى إذا مات الانسان فدنياه انتهت لأن كل واحد له غرض من الحياة فالفقير شرط لايمان الغنى والغنى ليس شرطا لايمان الفقير .
( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) نسوا : أى تكون المعلومة موجودة فقط  ثم تنصرف عنها بمشاغل أخرى .
( لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله  وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) ( إنا عرضنا الأمانة على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ) ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانة إلى أهلها ) .
( هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) ( هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ) ( هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم )
الخلق هو الوجود من العدم على حسب مراد الله وإرادته فالارادة تثبت والقدرة تنفذ ثم يخلق الله من عدم والخلق من العدم ثم يأخذ كل مخلوق صورة تختلف عن الأخرى حسب مهمته لطلاقة القدرة فى الاخراج وإن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس .


Comments

Popular posts from this blog

تفسير سورة الزخرف للشعراوى

تفسير الشعراوى لسورة النجم

تفسير سورة الزخرف للشعراوى