تفسير الشعراوى لسورة المجادلة
تفسير الشعراوى لسورة المجادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
( قد
سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله
سميع بصير )
إن سمع
الله تعالى فى إطار ليس كمثله شىء أما سمع ورأى البشر فى النوم كالأحلام فرؤى
الأحلام للبشر من قدرة الله تعالى أما سمع ورؤى الله وكلام الله فيدخل فى إطار ليس
كمثله شىء وهو من غيب الأقدار .
الجدل
معناه الأخذ والرد فى الكلام والتى قد سمع الله قولها هى خولة بنت ثعلبة وكان
الزوج هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وكانت وسيمة وجميلة فرأها زوجها وهى
تصلى فأعجبه شكلها فقال لها ( أنت على كظهر أمى ) وكانت هذه الكلمة عند العرب أسمع
من الطلاق فلما ذهبت لرسول الله ( ص ) قالت إن أوس أخذنى وأنا جميلة فلما خلا سرى
وأصبح لى أولاد كثيرة قال لى ( أنت على كظهر أمى ) وهذه الكلمة محرمة أكثر من
الطلاق فالله قد سمع هذا القول فقال لها رسول الله حرمت عليه فقالت فماذا أفعل مع
أولادى إذا ضممتهم إليه ضاعوا وإذا ضممتهم إلى جاعوا لأن الأم محرم على الابن أن
يتزوج أمه والزوجة حلال له
(
والملائكة بعد ذلك ظهير ) أى أن الزوج يعلو زوجته من حيث أنه المسئول عن زوجته فى
المقامة .
( الذين
يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم وإنهم ليقولن
منكرا من القول وزورا )
فزيد بن
حارثة ربى عند رسول الله ( ص ) وكان أهل زيد بن حارثة يحاولون العثور عليه فوجدوه
عند رسول الله ( ص ) فأرادوا أن يأخذوه من عند رسول الله ( ص ) فأحضر رسول الله
زيد بن حارثة أمامهم وخيره بين البقاء عند رسول الله أو الرجوع إلى أهله فاختار
البقاء عند رسول الله لما رأى من رسول الله حسن المعاشرة من حيث حسن الأخلاق
الحميدة وحسن معاملة الناس فأراد الرسول ( ص ) مكافأته فسماه زيد بن محمد ولكن
الله تعالى أنزل قرآنا فى حق اليتامى ( ادعوهم لآبائهم ) فكافأ الله زيد بشىء أثمن
من ذلك فجعل الله تعالى اسمه مقرونا بالصلاة فى القرآن ( إن الله لعفو غفور )
(
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلك
توعظون به والله بما تعملون خبير )
( فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم )
ما معنى
الحد ؟ الحد مكروه ( الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) (
لا تجدوا قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله )
(
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلك
توعظون به والله بما تعملون خبير )
فالله
قد سمع المرأة سماع إجابة فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها لقد كانت المرأة تجادل
رسول الله فى زوجها والسيدة عائشة زوج رسول الله ( ص ) فى البيت قالت والله ما
سمعت شيئا ولكن الله تعالى سمع ما تقوله المرأة فى حق زوجها فالمجادلة هى الأخذ
والرد فى الكلام وأن الرجل يصارع رجلا آخر فيسقطه أرضا وهكذا بين الرجلين إلى أن
يكسب أحدهما الآخر فيهزمه فى الكر والفر ويحاول أن يقوى حجته على الخصم لينتصر
عليه والأرض تسمى المجادلة والعلماء اختلفوا فى شخصية المرأة إلى أن اتفقوا على
أنها خولة بنت ثعلبة ولكن الله تعالى أراد الاختلاف فى شخصية المرأة ليجعل الحكم
حكما عاما لا خاصا فيشمل الحكم كل امرأة إلى أن تقوم الساعة فالتشخيص يحجم القصة
ولكن التعميم فى الوصف يعطى خصوبة فى القصة وعطاء فى كل وقت وحين ولقد طلب فى
البعد فى المصاهرة لقول رسول الله ( ص ) ( اجتنبوا زواج الأقارب ) لأن العلم
الحديث أثبت أن بعض الأمراض موجودة فى عائلة ما ولا يوجد نفس المرض فى عائلة أخرى
فبلتزاوج بين العائلتين يختفى المرض نهائيا فى الطفل الجديد الحديث الولادة
وبالتالى يحدث نوع من التحديث فى الجينات فى الطفل الجديد وبالتالى يحدث تحسن فى
السلالة البشرية أما بالعكس فيزداد نمو المرض فى الذين تزوجوا وهم أقارب فى نسلهم
وسلالتهم من الأطفال الجدد ولقد أثبت الطب الحديث ذلك .
(
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا )
معناه تحرير
عبد من الرقيق وجعله حرا والاسلام منع الرق وأخذ بالعتق من الرق فكأن الله قد حما
حياة الكافر فجعله عبدا
( وما
كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة
إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن
كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة
وفى آية
اليمين ( لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة )
فالاسلام فى كثير من المسائل لا يفرق بين مؤمن وكافر .
ولقد
سرق درع أحد المسلمين من مسلم آخر فأعطى المسلم الذى سرق الدرع الدرع لأحد من
اليهود كأمانة ثم قال للمسلمين أن الرجل اليهودى سرق درع المسلم كذبا ولكى يتحقق
الرسول ( ص ) من الواقعة فأحضر كيس من الدقيق به ثقب وأعطاه للمسلم العاصى لأمر
الله فذهب بالكيس وسار به لبيت اليهودى واتهمه بالسرقة كذبا وافتراء أمام الناس ثم
قال اليهودى إننى برىء وتحققت براءة اليهودى بقول الله تعالى فى قرآنه العظيم ( إن
أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله ولا تكن للخائنين خصيما
واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم إن الله
لا يحب من كان خوانا أثيما
ونتيجة
لذلك أسلم اليهودى وعديد كبير من الناس دخلوا الاسلام .
( ومن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ومن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله ) والحد هو الفاصل بين شيئين
( إن
الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آ يات بينات
وللكافرين عذاب مهين )
( يوم
يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا وأحصاه الله ونسوه والله على كل شىء شهيد )
والسور
الكلى ( كل ) لا تفلت منه جزئية للتأكيد على عدم المعارضة
جابر بن
عبد الله اقترض قرضا من يهودى وميعاد قضاء الدين لليهودى عندما يثمر البلح فى
النخيل وجابر بن عبد الله يمشى فى البستان فوجد النخل لا يثمر جيدا بالبلح فتكلم
مع صحابة رسول الله أن يتكلموا مع رسول الله ( ص ) فى أن يجعل اليهودى يؤجل الدين
فالرسول ( ص ) أحضر اليهودى وقال له انظر جابرا قال لا يا أبا القاسم قالها ثلاث
مرات لأن اليهودى ليس لديه شىء ليذل المسلمين به وهذه فرصة لليهودى فرسول الله ( ص
) ذهب إلى جابر وقال له خذنى إلى البستان فجاس رسول الله خلال البستان وقال يا
جابر أين عريشك فجلس رسول الله ( ص ) فى العريش وقال يا جابر خذها واقض فنام رسول
الله ( ص ) ثم استيقظ فى الصباح وحضر جابر فسأله رسول الله ماذا فعل الله بك يا
جابر ؟ فقال جابر جلست وقضيت دين اليهودى وزاد الخير يا رسول الله فضحك ونطق
بالشهادتين ودخل الاسلام
( ألم
تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة
يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده )
ألم تر
أى ألم تعلم أن الله إذا أخبر فإخباره صدق
السموات
والأرض فى تكوينها عجيبة وهى تكونت على مراحل فالشمس والنجوم والمياه وكل الكائنات
عليهما عجيبة فى تكوينها والظرف نفسه عجيب فسبحان الله ولقد فوجىء الكافر بإله لم
يكن يؤمن به فعطاء القرآن لا يتناغم فلو أن عطاء القرآن كان فى زمن الرسول فقط
لاستقبل العصور التالية بغير عطاء فالقرآن يعطى الجديد فى كل عصر وزمان
( ما
يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا
أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء
عليم )
النجوى
الكلام فى السر ولقد نهى رسول الله عن المناجاة فى السر أمام الأخرين مهما كان
عددهم لأن ذلك يحزن الآخرين
( ألم
تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان
ومعصيات الرسول وإذا جاءوكم حيوك بما لم يحييك به الله ويقولون فى أنفسهم لولا
يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير )
( يا
أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصيات الرسول وتناجوا
بالبر والتقوى واتقوا الله الذى إليه تحشرون ) ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن
الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
( وقال
الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم فلا تلومونى
ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى إنى أخاف الله رب العالمين )
( يا
أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل
انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما
تعملون خبير )
فالله
فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه
( يا
أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر
فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم )
الحق
سبحانه وتعالى تكلم عن المناجاة وهى المناجاة بالبر والتقوى ولا نتناجى بالاثم
والعدوان وبعد ذلك فيه نوع من المناجاة لرسول الله ( ص ) حيث أن الرسول ( ص ) له
خصوصيات خصوصية أولى وهى ألا نجعل دعاءنا لرسول الله ( ص ) كدعاء بعضنا لبعض
والخصوصية الثانية أنه عندما نريد مناجاة رسول الله ( ص ) فيجب علينا أن نقدم بين
يدى نجوانا صدقة .
كان
هناك أناس يجلسون إلى رسول الله ( ص ) ويتناجوا معه سرا دون بقية الجالسين
ليزدادوا بذلك شرفا وأنهم موضع سر رسول الله ( ص ) وهو يخصهم بكلام غير كلام
الأخرين ليريدوا به وضعا كمركز قوة فأراد الله تعالى أن يحد من هذه المسألة بجعل
رسوم لمناجاة الرسول ( ص ) وهى صدقة يتقدمون بها للفقراء .
فالنص
القرآنى ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة بحيث تكون الصدقة قبل
مناجاة الرسول ( ص ) وليس بعدها
إلا
الامام على فكان يقدم صدقة للفقراء عند رسول الله ( ص ) عبارة عن دراهم عندما كان
يريد التحدث مع الرسول ( ص ) فى أمر من الأمور واستمر الامام على كرم الله وجهه فى
تقديمها لرسول الله ( ص ) لأن فيها خير للفقير .
( أأ
شفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) ( ألم تر إلى
الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم
يعلمون )
ويوجد
فى المدينة المنافقين ووجود النفاق فى مصلحة الاسلام فهو ظاهرة صحية للاسلام لأن
الانسان لا ينافق الضعيف وإنما ينافق القوى ولذلك لم يوجد النفاق فى مكة لأن
الاسلام ضعيف فيها والاسلام أصبح قويا فى المدينة لذلك وجد النفاق لأن الاسلام قوى
فى المدينة المنورة ( يثرب ) .
واليهود
والمنافقين فى المدينة المنافقين نشأوا فى المدينة لأن رأسهم عبدالله بن أبى بن
سلول لكن ابن عبيد الله أسلم بإخلاص وذهب لرسول الله ( ص ) وقال يا رسول الله
أعطنى بعض شربتك لم لأعطيها لأبى لعل الله يطهره مما هو فيه فلما أخذ بقية الشربة
ذهب إلى أبيه وقال اشرب هذا يا أبى فقال له ما هذا قال هذا بقية شراب رسول الله فقال
أئتنى ببول أمك فذهب لرسول الله وقال يا رسول الله أبى كما تعلم هو أعمى وأنا أخشى
أن يزداد عليه حفيظة أحد المؤمنين فيقتلونه فإن كان لا بد ذلك فأمرنى أنا أن أقتله
حتى لا أجد على قاتل أبى شيئا فى نفسى .
( أعد
الله لهم عذابا شديدا أنهم ساء ما كانوا يعملون )
(
اتخذوا أيمانهم جنة تقيهم أن تؤخذ أموالهم أو يقتلوا فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب
مهين ) فالجنة هى الستر والخفاء
فالعذاب
مرة يقال عذاب مهين وعذاب أليم وعذاب عظيم
( لن
تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم
يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شىء ألا إنهم هم
الكاذبون ) فالحلفان بقولهم والله ربنا ما كنا مشركين
(
استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم
الخاسرون )
( إن
الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين )
( كتب
الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز )
( لا
تجدوا قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم
أو أبنائهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه
ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك
حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )
Comments
Post a Comment