تفسير سورة الدخان للشعراوى
تفسير سورة الدخان
للشعراوى
بسم الله الرحمن
الرحيم
( حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا
منذرين ) .
إن ( حم ) من
الحروف المقطعة التى بدأت بها بعض السور بها حرفا واحدا ( م ) ( ص ) ( ق )
وحرفان ( حم ) ( طس ) وثلاثة أحرف ( ألم ) وأربعة أحرف (
ألمر ) ( ألمص ) وخمسة أحرف
( كهيعص ) و ( حم ) عينهم .
وهذه أمور تقف العقول عندها عند حد نطقها كما نطق بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نسأل أنفسنا عن معانيها وإن كانت العقول تحوم
حولها لتقنع نفسها بشىء من المعانى والسبب فى ذلك أمور تتصل بالعقيدة ومنها أمور
تتصل بالأحكام ومنها أمور تتصل بالقرآن الكريم المعبر عن العقيدة والأحكام وفى كل
واحدة منهم غيب ومشهد .
غيب : يوكل فيه العلم إلى الله حتى يظل الانسان عاجزا
أمام شىء لا يفهمه ولكن يؤمن به لأنه ثبت أن الله قاله فالعقائد إيمان بإله واحد
فالعقل يستطيع أن يعلل ويحلل ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ولو كانت
الآلهة متعددة يصلح كل منها أن يكون إلها لكان الباقى لا لزوم له ويبقى عبث وإن
كان أحدهم مختص بشىء والآخر مختص بشىء آخر فيوجد عدل فيما نقص فيه ( لو كان فيهما
آلهة إلا الله لفسدتا ) ولكن هناك أمور فى العقائد تتصل بالغيب المطلق فالعقل له
بها مجال ولكن الأشياء الأخرى العقل ليس له فيها مجال كالسمعيات فى العقائد فيخبر
بأمر ما فى القبر إما نعيم وإما عذاب وأمر ما فى الآخرة إما جنة وإما نار توثيقها
السماع فالعقائد بها غيب ومشهد فالمشهد يشهد للغيب والغيب يشهد بإيمان الإنسان
بالله فى أمر وقف عقله فيه .
والأحكام كذلك فالصلاة تعطى للإنسان المؤمن استطراق
عبودى فعند قول ( الله أكبر ) يستوى المسلمون جميعا لآداء الصلاة فى المساجد
والاستطراق العبودى به أشياء :
فلماذا كل صلاة لها عدد معين من الركعات كالظهر والعصر
والعشاء ( 4 ركعات ) والمغرب
( 3 ركعات ) والفجر ( ركعتان ) لأن العدد فإذا سئل عن
حكمة أى عدد ما جئت بعدد أبدا فالسؤال الذى يدور فى العدد لا قيمة له كذلك أخبر
الله عز وجل ولقد أخبر القرآن الذى يعبر عن كل ذلك فيه غيب ( حم ) و ( ألم ) وفيه
مشهد العقول تدور فى معانيه وتفهمها .
( حم والكتاب المبين ) الظاهر الواضح المحيط فيوجد فى
القرآن أمرين 1 ) غيب 2 ) مشهد ولقد نزلا
من قبل الله عز وجل .
( والكتاب المبين ) لا تفعل فيه قسم ( حم ) التى لا نعرف
معناها إلا أنها من الله عز وجل
( الكتاب المبين ) الظاهر والتى تستطيع العقول الفهم فيه
من الله ( الكتاب المبين ) للظاهر
و ( حم ) للغائب .
( إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ) الانزال يتطلب أن نعلم
منزلا ومنزلا إليه ومنزل من الذى أنزل ؟ الحق والمراد بها جهة العلو وليست
المكانية .
جهة العلو فالقرآن يحكى للإنسان أنه ( وأنزلنا الحديد
فيه بأس شديد ومنافع للناس ) مع أن الحديد مكانه فى الأرض فالانزال يشعر بعلو
المنزل الذى أنزل للمنزل إليه .
( فى ليلة مباركة ) الليلة المباركة لماذا ليلة وأى ليلة
هى ولم فى الليل ولكنه لم ينزله فى نهار وليلة من ؟ لأن الليل محل السكون والسكون
هو الهدوء ولا يوجد لفظ فى الحياة فى الحركة والإنسان ليست جوارحه مشغولة بأى شىء
فكل التنبيهات للعقل فينزل فيه كل شىء ( إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل
هى أشد وطئا وأقوم قيلا ) وأى ليلة ؟
فنرى القرآن أول ما نزل نزل على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فالليل : ليلة مكة ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا ) وتكون ليلة القدر
( إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر
ليلة القدر خير من ألف شهر تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام
هى حتى مطلع الفجر ) .
أو ليلة النصف من شعبان فلا بد أن تكون شيئا واحدا وهل
سيشتركون فى شىء ويختلفون فى شىء آخر فالقرآن قبل أن ينزل ليباشر مهمته فى الوجود
كان فى أى مكان ؟ ( إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) فالله
يريد إنزال القرآن الكريم ليباشر مهمته فيأخذه من اللوح المحفوظ وينزله للناس
ويصبح مكانه فى اللوح المحفوظ خال أم أنه سيبقى فى اللوح المحفوظ ؟ ( وإنه فى أم
الكتاب لدينا لعلى حكيم ) فتوجد مرحلة ثانية فلا تأتى للذى فى اللوح المحفوظ فنزل
ما يعبر عما هو موجود فى اللوح المحفوظ فلا بد من استنساخه من اللوح المحفوظ وبعد
الاستنساخ ينزل كله فقد نزل كله مرة واحدة إلى سماء الدنيا ليباشر مهمته عن طريق
الملك جبريل عليه السلام فتوجد ( 3 ) أشياء :
1 ) استنساخ من اللوح المحفوظ ( له زمن ) .
2 ) التنزيل مرة واحدة للسماء الدنيا ( له زمن ) .
3 ) تنزيل منزل حسب الأحداث له أزمنة متعددة تجليها
الأحداث .
فلماذا نجعل اشتباكا بين ليلة القدر وليلة النصف من
شعبان ؟
فليلة النصف من شعبان فما هى كرامتها ؟ كرامتها أتت فى
حصول أمر من تحويل القبلة من المسجد الأقصى ببيت المقدس إلى الكعبة المشرفة فى مكة
المكرمة والتى هى قبلة المسلمين فى كل بقاع الأرض فحين يصلون بنداء الآذان ( الله
أكبر ) فلما كان متجها لبيت المقدس كان لها زمن فأخذناها وذهبنا بها للكعبة
المشرفة فى مكة المكرمة فالاثنين لهما حكمة لا تفرق بين حق وباطل بل فرقت فى أمرين
حتميين فكل منهما له عمر وزمن فالحق سبحانه وتعالى لم يشأ أن يعجل تحويل القبلة فى
فرض من أوله بل جعلها فى فرض واحد فى صلاة واحدة فصلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركعتين باتجاه بيت المقدس وركعتان باتجاه الكعبة المشرفة فالاثنان لهما حكمة
لماذا ؟ لأن الله عز وجل يريد أن يدخل بيت المقدس فى مقدسات الاسلام وما دام سرى
برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس دخل بيت المقدس فى
مقدسات الاسلام وبعد ذلك الصلاة فرضت فى ليلة المعراج من بيت المقدس للسماء الدنيا
ثم إلى سدرة المنتهى فشاء الله عز وجل أن يجعل الصلاة فى متجهها مرة فى اتجاه بيت
المقدس ومرة فى اتجاه الكعبة المشرفة وكلاهما له حكمة .
1 ) أنها دخلت فى المقدسات الاسلامية .
2 ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له إلف بقبلة
إبراهيم عليه السلام .
( قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها )
وما دامت الصلاة فرضت بعد رحلة المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم للسموات
العلى والصلاة بها متجه القبلة فالقبلة تأخذ المبدأ التشريعى والمبدأ الاستبقائى
ولقد جعله الله عز وجل فتنة لغير المسلمين وفتنة للمسلمين لماذا ؟ لأن عندما كانت
القبلة محولة باتجاه بيت المقدس فما السبب لترك بيت ابراهيم عليه السلام ؟ ويذهب
لقبلة داود وسليمان لأنها دخلت فى مقدسات الاسلام فيأتى اليهود يلتقطوا المسألة
ويجعلوها شبهة فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رافض دين اليهود فكيف يتبع
قبلة اليهود ؟ فالعرب يخبرون لماذا ترك قبلة ابراهيم وذهب لقبلة بيت المقدس حتى
يلتزم الإنسان بالتوجيه الالهى بدون دفن للعقل فى المسألة فاتجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فى الصلاة الواحدة لاتجاهين اتجاه بيت المقدس فى ركعتين ثم فى
اتجاه الكعبة المشرفة فى ركعتين كذلك فيدل على أنه شىء موقوت محدد فريضة واحدة لا
بفرائض متعددة ولكن فى فريضة واحدة فكلاهما حكمة أم لا ؟ إنها حكمة من الله عز وجل
لأن الفرض فى القرآن أن يكون بين حق وباطل فالفرق بين أمرين حكيمين ويحدد لكل أمر
حكمته فى زمنه .
( حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا
منذرين ) الليلة المباركة : ليلة النصف من شعبان وليلة البراءة وليلة الصك وليلة
الرحمة .
ليلة البراءة عند أخذ زكاة الأموال من الناس فالذى يأخذ
منه زكاة ماله يعطيه ( صك البراءة ) أى أنه كإثبات على أن الفرد قد أدى زكاة ماله .
ليلة الرحمة : الرحمة برسول الله صلى الله عليه وسلم
أولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الاتجاه بالقبلة للبيت الحرام ( الكعبة
المشرفة بمكة المكرمة ) ولكن أمر الله عز وجل بالاتجاه فى الصلاة باتجاه بيت
المقدس .
( إنا كنا منذرين ) فما هو الانذار ؟
الانذار : درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة فلا بد من
منذرين قبل مبشرين وتوجد آيات أخرى ( مبشرين ومنذرين ) يفتح للنفس لاستقبال معنى البشارة
فلما يقول منذرين لأن الانذار تواعدنا على عقوبة شديدة على شرط درء المفسدة مقدم
على جلب المصلحة .
كنا : الزمن فى كنا ( ماض ) أى أنه ما زال لماذا ؟ لأن
الحق سبحانه وتعالى لا يحكمه زمن لأن الزمن من خلق الله عز وجل وما دام الزمن من
خلق الله فلا يقال أنه عنده ماض ومضارع وأمر فيقال ( كان الله غفورا رحيما ) ولا
يزال لأنه كان فى الأزل غفورا رحيما وهو ممتنع عليه التغيير فيبقى غفور رحيم (
فيها يفرق كل أمر حكيم ) يفرق كل أمر حكيم الأمر فى ذاته حكيم وخصوصا ( إذا كان
أمرا من عندنا ) فلا يوجد حكمة ترتقى كالأمر الذى يأتى من الله عز وجل
( إنا كنا مرسلين ) لم نترك الخلق الذى خلقه الله
ليكونوا خلفاء فى الأرض لم نتركهم يفعلوا كما شاءوا خلقنا لهم قبل أن نخلقهم لأن (
آدم عليه السلام ) طرأ على سماء وأرض وهواء وماء فخلق للخليقة الذى يعمر الأرض قبل
أن يخلقه وهو السبب فى عدم ادعاء أحد أنه خلق السموات والأرض ( ولئن سألتهم من خلق
السموات والأرض ليقولن الله ) ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) .
( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين )
ما خلقنا الإنسان ( آدم عليه السلام ) وخلقه من طين الأرض ولما خلقه من طين الأرض نفخ
فيه من الروح فلا أم ولا أب له فكانت كن التى قامت مكان الأم والأب فالخلق متواتر
فى خلق الله على ( 4 صور ) :
1 ) خلق بدون أم وأب : ( آدم عليه السلام ) .
2 ) خلق من أم بدون أب : ( عيسى عليه السلام ) .
3 ) خلق الناس جميعا من أم وأب .
4 ) خلق الأم والأب ولكن لا يخلق الأبناء ( ويجعل من
يشاء عقيما ) .
فليس من الضرورى خلق الذكر والأنثى بل له القدرة على خلق
ما يشاء ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل
من يشاء عقيما ) .
فطلاقة قدرة الله عز وجل على الخلق كيف شاء ومتى شاء وفى
أى وقت شاء .
( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء
إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ) .
( إنا كنا مرسلين ) لأن الإنسان ما دام خلقه الله عز وجل
لعمارة الأرض ( أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) استعمركم : طلب من الإنسان أن
يعمر الأرض فعمرها بدون إفساد الصالح فيها فإذا استطاع الإنسان أن يزيدها عمارا
يزيدها فالناس كانوا يستقون من الآبار والعيون والأنهار فالإنسان حينما يرى من ملك
الله عز وجل لا يستقر فى الأعلى حتى يملأ الأدنى فالعيون لا يتم فيها ردم والعمارة
أن تأخذ من الطبيعة قبل أن تستنتج ما يكفيك ثم بعد ذلك عقدك يشتمل فى الكون ويأخذ
من البديهيات قضايا ويعمل بها أشياء فالصوف والوبر والشعر ( أصوافها وأوبارها
وأشعارها ) فالصوف للغنم والوبر للجمال والأشعار للمعيز وعمارة الأرض تأتى من
فطريات فيها فالأمر البديهى الموهوب من الله فالعقول تفكر وتفكير العقول هو عمارة
الأرض والحق سبحانه وتعالى يتكلم فى القرآن عن الأمور المعقدة عقليا يتكلم عنها
كلاما فطريا حتى لا ينصرفوا عن المنهج القرآنى فينتظر حتى تنضج العقول ليجعل لها
استعداد فيوجد فرق بين المرسل والمستقبل فالمستقبل لديه قوة يستقبل بها المرسل
فعمارة الكون من رسالات الإنسان التى كلفه الله بها فالبديهيات التى يأتى بها الإنسان
بفكره يتعلمها من الحيوان فإذا أدى الإنسان منهج الله فى الأرض فى ( افعل كذا ولا
تفعل كذا وكن كذا ولا تكن كذا ) يصير الإنسان بلا عصب
( إنا كنا مرسلين ) لنجعل للإنسان كتالوج حياة ( افعل
كذا ولا تفعل كذا وكن كذا ولا تكن كذا ) بدليل سيدنا ( آدم عليه السلام ) عندما أدخله
الله الجنة / وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا
تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه
وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين
فالسير على النظام فى السير على منهج الله أم خالفته
فإذا كنت خالفته فارجع إلى الله بتوبة نصوح .
( إنا كنا مرسلين ) مرسلين رسلا للذين استخلفناهم فى
الأرض حتى تسلم حركة الحياة من العطب وحتى يسلم المجتمع من الشرور التى يعانى منها
البشر بعضهم فى بعض وتسانده
( إنا كنا مرسلين ) والارسال كان رحمة من الله لماذا ؟
لأن حين يؤمر الإنسان من أعلى منه لا غضاضة فى هذا فلا أحد يذل أحد لأن كل إنسان
يتلقى الأمر من الله فالإنسان يملك أن تستقيم حياته وأن تستوى على المنهج السليم (
سواء السبيل ) : ( سواء الطريق ) فى وسطه لأن الطريق واسع وله جانبان فيريد توفير
المجهود والزمن فعندما يطلب الله من الإنسان بالرجوع إلى كلمة سواء فهى ليست جانحة
إليك ولا إليه فمن تصبح إلى وإلى تصبح من فالطريق من القاهرة للاسكندرية فلا بد من
وجود طريق معاكس من الاسكندرية للقاهرة فالإنسان متلقى أوامره مما هو فوقه ( الله
عز وجل ) .
( رحمة من ربك ) فيجب تعديل السلوك أو يوجد أمر معدل
أولا رحمة بمعنى نتساند ولا نتعاند ونتعاضض ولا نتعارض فما دامت المسألة كذلك فليس
لها إلا غاية واحدة وهى البناء ويوجد من يبنى وفى المقابل يوجد من يهدم .
( إنا كنا مرسلين ) مرسلين تحمل منهج الله لخلق الله
الذى أراد الله للإنسان أن يكون خليفة الله فى الأرض وعند الاجتماع لا بد من نظام
ليس مشروعا منهم بل مشروع من خالقهم حتى لا يستنكف أحد أن يتبعه .
( رحمة من ربك ) يوجد رحمة من الله وفى رحمة من الرب
رحمة الرب : الذى يربى كما تربى الأم طفلها .
رحمة الله :
بعد التكليف لأن الربوبية عطاء ولكن الألوهية تكليف فله ربوبية وله تكاليف .
( رحمة من ربك إنه هو السميع العليم )
السميع : لكل ما يمكن أخذه من آلام الناس فلما يأتى لأحد
ألم يجأر بالصوت وإذا لم يجأر بالصوت كتمه فيوجد رحمة حتى لا تأتى أيا منهما فلم
يقل من ربكم بل قال من ربك الخطاب لمن
الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالله يريد لرسول
الله هداية خاصة فلا يريد أن يكون مهديا وإنما يريد أن يكون مهديا وهاديا لغيره فيقول
الله عز وجل ( ولتصنع على عينى / واصطعنتك لنفسى ) .
( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) فرد
الأمر ليقينهم وما دام أنتم موقنين بأنه رب السماء والأرض فالسماء التى أظلتكم وبالأرض
التى أقلتكم وما فيها من خير فيما بينها ومنها وما تحتها فنجد أسرار الكون الأن
فالعالم يجرى فى عصر الفضاء كل تقدم العالم فى عصر الفضاء والفضاء به الكثير من
الأسرار فما بين السماء والأرض أسرار عجيبة ( السماء والأرض وما بينهما وما تحت
الثرى ) فثروات العالم من تحت الثرى ورفاهية العالم من تحت الثرى فنرى الجرانيت
والرخام والمرمر والياقوت والزمرد والمعادن الكريمة كلها تخرج من باطن الأرض (
السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) فإذا كان عالم الملك المشاهد فما بال
عالم الملكوت الأعلى فماذا يكون به .
( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) فيوجد
بين السماء والأرض خلق وكون عجيب كلما ارتقت العقول نعرف شىء فى عالم الملك فإذا
كان فى السماء والأرض وما بينهما فيوجد عالم ملك وعالم ملكوت .
عالم الملك : الذى يستطيع الإنسان أن يقف عليه بحواسه .
عالم الملكوت : الذى لا يستطيع الإنسان أن يقف عنده
بحواسه .
بل بإخبار الله للإنسان فقال الله عز وجل عن سيدنا (
إبراهيم عليه السلام ) ( وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماء والأرض ) ( السماء والأرض
وما بينهما ) وفى آية أخرى فى سورة طه
( وما تحت الثرى ) .
( إن كنتم موقنين ) ما معنى اليقين ؟ اليقين : استقبال
القضية بدون شك علما أو عينا أو حقيقة
1 ) علم اليقين
2 ) عين اليقين 3 ) حق اليقين
فكلها يقين فى شىء لا يكذب لا علما ولا عينا ولا حقيقة فلما
يعرف الإنسان العلم فهو ثابت عند الإنسان ولما تنقله لحقيقة اليقين فهو ثابت عند
الإنسان كذلك فاليقين هو الأمر الثابت الذى لا يتغير عليه بالوجوب علما وعينا
وحقيقة .
الحق سبحانه وتعالى فى سورة التكاثر ( ألهاكم التكاثر
حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين
لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) علم اليقين فأول
مرتبة علم اليقين وهو أن تتأكد من خبر يخبرك به من تصدقه ما ترتفع به عن مستوى
الكذب كالرسل .
عين اليقين : ما دمت علمت علم اليقين ثقة فيما أخبر
الإنسان فيراه بعينيه أمر كلى وتراه تجزئتة حقيقته ( حللته ) فقال الحق فى سورة
التكاثر ( عين اليقين ) أخبرتكم فصدقتمونى وإن لم تصدقونى ستروها بأعينكم حتى المؤمن
سيراها لأن الصراط موجود على متن جهنم ويرى النار ولكنه لن يدخلها ( عين اليقين )
لأن الاسلام نجى المؤمن من دخول نار جهنم يوم القيامة
وما دام ( حق اليقين ) فى سورة الواقعة ( إذا وقعت
الواقعة ) ( فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) فالعلم أثبت وجود
نجوم ضوئها لم يصل للأرض فبعض العلماء يقولون إن أضواء النجوم التى لم تصل للأرض خلق
تافه لا يعلم عنه أحد شيئا إلا الحق سبحانه وتعالى ومن بين النجوم المتلالئة
مشاهير الأرض / فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم
فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ) فإن كنتم من المقربين
وإن كنتم من المؤمنين وأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ( وإما إن
كان من أصحاب اليمين ) فسلام لك من أصحاب اليمين ( وإنما إن كان من المكذبين
الضالين )
( فنزل من حميم ) إن هذا لهو حق اليقين فيوجد علم يقين
وعين يقين وحق يقين .
( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) لماذا
؟ أخذها بشك ؟ لأن عند السؤال يخبر بأن الله عز وجل هو الخالق إنما عدم اعمالهم
فيما اقتنعوا به فيقيد حركتهم ونحن نريد أن نكون أحرارا فى الوجود فكرهوا التدين
الحق فالتدين : سوف يحد حركتهم فى الوجود فعزوفهم عن الحق ورجوعهم لباطل الأصنام
لأن ليس لها أوامر ولا نواهى ولا تحدد حركة الإنسان فيبقى الإنسان الضال على حريته
بدون تكليف من دين أو إله فالله سبحانه وتعالى يريد أن تنسجم مقولة الإنسان مع
فعله ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) فلماذا لم تؤمنوا بالله عز وجل ؟ (
فأرونى ماذا خلق الذين من دونه ) .
( رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) لا إله
إلا هو .
لا إله : الإله هو المعبود بحق لأنه سمى الذي يعبده
الكفار ( الأصنام ) ( آلهة ) مطلق معبود لأنه الحق فهو المعبود بحق فهذه دعوى لا
دليل عليها إلا أنه مرتاح لها لأن ليس لها تكليف وما دام ليس لها تكليف فسيعمل فى
الكون ما شاء وكيف شاء ومتى شاء وفى أى وقت شاء بدون الأخذ فى الاعتبار مصالح
الناس .
فالتدين : فطرة النفس لأنه إذا تعرض الإنسان لحدث لا
يمكن بأسبابه أن يدفعه ( فلما نجاهم إلى البر ) ( ونأ بجانبه ) ( وأعرضوا ) لأنه
لا يريد أن يسلك فى أن يكون متدينا بل يريد أن يكون على حريته فى الفعل أيهم مقيد
لحركة الفعل والناس يظنون أن الذى يقيد حركة الإنسان فالتدين
( الاسلام ) يقيد حريتك ويقيد حرية الآخرين من أجلك أيها
الإنسان .
كما قال الله عز وجل للإنسان لا تسرق قال للناس جميعا لا
تسرقوا من فلان كما قال الله للإنسان لا تغتب زميلك قال للناس لا تغتبوا فلان .
فلو قارنت الحصيلة التى خرجت بها من التكاليف فالإنسان
كسبان فلما يسرق الإنسان شيئا ما فستسرقه الدنيا منه الشىء الكثير ( لا إله إلا هو
يحيى ويميت ) لماذا امتن بالحياة والموت ؟ لأن الذين يتمتعون فى الحياة لا يعكر
عليهم صفو حياتهم إلا أنهم يرون الإنسان سيموت وهم سيموتون .
( يحيى ويميت ) فعل منه واطلاع على أنه الغيب لأنه يريد
رب الغير وإن كان من صفاته حى وقيوم ولذلك يجدها فى آية الكرسى ( لا إله إلا هو
الحى القيوم ) حتى قال بعضهم إنها اسم الله الأعظم ( الحى القيوم ) لماذا ؟ لأن كل
صفة من صفات الله أو اسم من أسمائه الحسنى فرع أنه حى وما دام فرع أنه حى فيبقى
الاسم الأعظم فى ماذا ؟ فى العطاء إنها الأسم الأعظم فى العبودية ( الله ) لأنه
المعبود المطاع فى أوامره واجتناب نواهيه فيوجد عطاء ربوبية وتكليف ألوهية لأن كل
صفة من صفات الحق فرع الحياة قادر فرع أنه حى سميع فرع أنه حى قابض فرع أنه حى ما
دامت الآيات مطلوبة لكل صفة من الصفات فهذا الأسم الأعظم فى العطاء فيوجد اسم أعظم
فى العبودية ( الله ) معبود مطاع فى أوامره مجتنب فى نواهيه وما دام مطاع فى
أوامره فعند سؤال الله عز وجل يقال ( بسم الله ) فالعمل يحتاج لقوة وتفكير عن طريق
العقل وحكمة تؤيد العمل وطاقة لآداء العمل خير الآداء فنقول بالله نأتى بصفات
الكمال كلها لله عز وجل فالذى قال بالأسم الأعظم نظر إلى العطاء والآخر نظر إلى
التكليف ( لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ) .
الحق سبحانه وتعالى يريد مجادلة المعاصرين لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) لو كانت
هذه صفتكم ما كان يتغير منطق الدين لأنك سترى
( آدم عليه السلام ) أت إليك أيها الإنسان بالرسالة
وتقول إنك ستسير مثله فأنتم كذبتم حين قلتم
( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) .
( ربكم ورب أبائكم الأولين ) ( بل هم فى شك يلعبون )
فيوجد 1 ) شك 2 ) يلعبون
الشك : النسب التى تأتى فى القضايا ( 6 ) فواحد يعتقد
قضية واعتقاده بالقضية ( الأرض كرة )
ولكن إذا اعتقدت قضية ولكنها تخالف الواقع جهل فالجهل أن
تعلم قضية مخالفة للواقع وليس الجهل ألا تعلم لا تعلم أيه إنما الجاهل معرفة قضية
مخالفة للواقع ولذلك الجهلة هم الذين يتعبون غيرهم أما الأميون لا يتعبوا أحد
فالجاهل عنده قضية مخالفة للحقيقة فتنزع منه المخالفة ويقع المفهوم الصحيح للقضية
لكان المواجيد الانسانية أو الوعاء العقلى أو القلبى قلب لا يقبل أمرين فى وقت
واحد أبدا فيوجد إيمان لا يأتى بالكفر ويوجد كفر لا يدخل إيمان لأن فطرية الحى
تحكم المواجيد البشرية لتحكم الأمور الكونية الواضحة فلا يوجد إلا الأمر الفطرى الذى
تسير به الأشياء فى الكون ويريد مباحثة قضية الدين وقلبه مشغول بالكفر فالعدالة
استخراج ما فى قلب الإنسان من الكفر ثم ترك الايمان والكفر خارج القلب ويتجه
بالقلب نحو الصواب فيدخل الايمان للقلب وترك الكفر خارج القلب .
أما الكافر فيختم الله على قلبه فالكفر لا يخرج والايمان
لا يدخل ( بل هم فى شك ) وجود قضية واقعة لا يمكن الحصول على دليل عليها ( قل هو
الله أحد ) قضية ثبت أن الله واحد ( غير القادر لبحث الأمر بحثا عقليا يقلد غيره )
يقلد فالمسألة ليس فيها جزم فالقضية اثباتا ونفيا مثل بعضهما البعض ( الشك )
أحدهما راجحة والراجحة ظن والمرجوحة وهم فالنسب التى تطرأ عليها الأشياء لا
تتجاوزها فالشك وليس الشك به جد حيث سنرسل الرسل ولا يؤمنون بهم ( بل هم فى شك
يلعبون ) ( فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين ) ارتقب وانتظر يوم تأتى السماء
بدخان مبين .
الدخان : الغازات التى تستر الجو وتعمل ظلمه لماذا ؟
فالشبورة أثناء النهار تحجب الرؤية والسماء لأن الذرات تداخلت فلا توجد ذرة بعيدة
عن ذرة أخرى بل كل من الذرات متقاربين متلاصقين .
الدخان : الغازية الحاجبة للشىء عن عين الرائى وما دامت
حجبت عن عين الرائى فأخذت شىء من الهواء وما دامت أخذت شىء من الهواء النفس يضيق
وما دام النفس يضيق فى صدر الإنسان يتعب .
( فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين ) لأن الرسول صلى
الله عليه وسلم حينما بالغ القوم فى تكذيبه قال اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها
عليهم كسنين يوسف فجاء لهم القحط حتى أكلوا الجيفة والكلاب الميتة .
( وإن للظالمين عذابا دون ذلك لكن أكثرهم لا يعلمون ) (
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) فالله عز وجل حريص
على هدايتهم ( فارتقب ) لا تنزعج ولا تأسف ولو نظر حتى تأتى السماء بدخان مبين ) (
يغشى الناس ) منع الناس أن يروا فيه عطب فى الحركة ومنع النفس أن يأتيك فيوجد 1 )
ضيق لا يرى 2 ) ضيق أنه لا يتنفس .
( فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين ) بمعنى يخشى (
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنين )
( أن لهم الذكرى ) أو كيف يؤمنون من أين يأتيهم الايمان
؟ وقد جاءهم رسول كريم بأكبر من الدخان .
بينات معجزات قائمة كتاب حكيم معجز حكم تسير الكون على
نظام جميل بديع يسعد كل من الفرد والمجتمع ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين )
محيط بكل وجوه الخير الذى تعود عليهم
( ثم تولوا عنه ) فقالوا ( إنا مؤمنين ) ثم تولوا
فأصبحوا كاذبين .
الحق سبحانه وتعالى يعطينا من صور التولى فالتولى إعراض
ويمثلوا عليه ( معلم مجنون ) فعلم من غيره يعلمه فيقال ( معلم ) بدون ( مجنون )
فلا بد أنهم يقصدون الله عز وجل ويبقى نعم المعلم ( الله عز وجل ) ( ولقد تعلم أنه
يقولون إنما يعلمه بشىء ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين )
فأنتم كذابيين لم تعرفوا فكذبوا ( لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى
مبين ) ( مجنون ) فما هو المجنون ؟ المجنون : الأمور تصدر عنه بدون تدبر عقلى ولقد
نفاها الله عز وجا بعلة ( وما صاحبكم بمجنون ) ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وما دام على
خلق عظيم فمقاييس الفضيلة فيه لا تتعدى وما دام مقاييس الفضيلة فيه لا تتعدى فهم
المجانين ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ) ( ثم تولوا عنه وقالوا معلم
مجنون
( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) ( إنا كاشفوا
العذاب ) الدخان فألأبين إنكم كاذبون أمام أنفسكم فالمؤمنون بالله يشهدوا أنكم
مكذبين فالكافر الذى لم يتخلل الكفر كله بدا خله يقوم يتخلله فى صفوف المؤمنين من
المقلدين له وما دام يعمل خلخلة فى صفوفهم فالاسلام يكسب فهذا العنف من الناس
لعكرمة بن أبى جهل ( دخل الاسلام ) ( اكشف عنا العذاب فسنصبح مؤمنين فكشف عنهم
العذاب فأصبحتم لا وفاء لكم ولا كلمة لكم وإنكم كاذبون مضللون فمصعب بن عمير أسلم
رغم أنه كان فتى قريش المدلل وبعد ذلك شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا
للمدينة المنورة وأتى بجلد شاه يلبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين انظروا إلى صاحبكم ماذا فعل الايمان به فلما توفى مصعب بن
عمير لم يجدوا شيئا يكفونه فيها ومع ذلك أحب الاسلام لأنه عرف تناقضهم قبل أن
يتأصل فيه الكفر
( إن كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) ستعودون لما حصل
منكم سابقا من كفر ومجادلة ومشاحة ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) البطشة : الضربة
التى تستوعب كل جوارح الجسم ولا تبالى على أى عضو وقعت .
( بطشة ) ( يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) مكافىء
لما صنعتموه من رسولى وتبقى فيه عدالة لماذا ؟ لأن الذين آمنوا برسول الله صلى
الله عليه وسلم فلا بد للمؤمنين من موقف ويحمدوا ربهم أنهم آمنوا واتبعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فالحوار بين أهل الجنة وأهل النار حوار طويل يدل على حسرة
الكفار على الماء فيقول المؤمنون لهم ( إن الله حرمهما على الكافرين ) ( يوم نبطش
البطشة الكبرى إنا منتقمون ) فنحن ننتقم للذى فعلوه فى الدنيا ( ولقد فتنا قبلهم
قوم فرعون ) ليسوا بدعا فيما فعلوه لأنه سبقهم أم كذبوا رسلهم ( ولقد فتنا قبلهم )
الفتنة : الاختبار فالفتنة لا تذم فى ذاتها وإنما تذم
لنتيجتها ( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ) كريم على الله عز وجل
الذى أرسله ومن كرامته أنه جعله كليما له
( موسى عليه السلام ) لأنه سيتعرض لا لفساد خلقى ولا
لفساد اجتماعى فالذى ادعى كذبا إنه إله ( فرعون ) ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هى
عصاى أتؤكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى فقال ألقها يا موسى
فألقاها فإذا هى حية تسعى فأوجس فى نفسه خيفة موسى قال خذها ولا تخف سنعيدها
سيرتها الأولى ) فما دام خاف منها معنى ذلك أن العصا أصبحت حية حقيقية فقال ( خذها
ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) ففى يوم الزينة اجتمع السحرة والناس وقال لهم
موسى ( ألقوا ما أنتم ملقون ) فألقوا فتحولت عصاهم وحبالهم فى الخيال أنها تسعى (
فألقى موسى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون ) ( وسجد السحرة ساجدين قالوا آمنا برب
العالمين رب موسى وهارون ) .
( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ) أن أدوا
إلى عباد الله يفهم بوجود آبائه عندهم وأنت سوف تصليها ( لأن بنو اسرائيل كانوا
يعذبون فأتى ليخلصهم من العذاب المهين وكلامه مع فرعون زائد على التشريع الذى أتى
به ( موسى عليه السلام ) ( أن أرسل معى بنى اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية )
فلماذا كان بنو اسرائيل مضطهدين ؟ الاضطهاد : الفراعنة غلبهم الهكسوس ودخلوا عليهم
فنجد إعجاز القرآن حينما يتكلم عن فراعين مصر فكان فرعون
( يقتل أبناؤهم ويستحى نساؤهم ) ( بنو اسرائيل ) ( ولقد
فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ) ( أن أدوا إلى عباد الله إنى لكم رسول
أمين ) مأمون على رسالته من الله عز وجل يؤديها كما يجب أن يكون الآداء .
( وأن لا تعلوا على الله أنى آتيكم بسلطان مبين ) حيث
يأتى لكم بأشياء من جنس السحر ولكنه ليس سحرا لأن جنس السحر سحر من أعلى ( سحروا
أعين الناس واسترهبوهم ) ( يخيل لهم من سحرهم أنها تسعى ) فالسحرة كلهم أتوا من
جميع البلاد من أجل التكتل فى مسألة موسى عليه السلام فقال موسى هل ألقى أنا أم
أنتم ؟ بل ألقوا فلما ألقى موسى عصاه لقطت حبالهم وعصيهم ماذا قال السحرة فالساحر
يرى الشىء على حقيقته أما المسحور فلا يرى الشىء على حقيقته ( فسجد السحرة لله
قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ) .
( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا
إلى عباد الله إنى لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله أنى آتيكم بسلطان مبين ) .
الحق سبحانه وتعالى حينما أرسل إلى فرعون موسى لم يكن
مرسولا إليه للإيمان والعقيدة وإنما كان مرسولا إليه بشىء واحد وهو ( أن أرسل معى
بنى اسرائيل ولا تعذبهم ) لأن بنى اسرائيل
عذبوا بعدما ذهبت ملوك الهكسوس وعاد الأمر إلى الفراعين فالذين ساعدوا
الهكسوس بنو اسرائيل فأراد قوم فرعون أن يعذبوهم ( فذبحوا أبنائهم واستحيوا نساءهم
) فالله سبحانه وتعالى لطف بهم ولطفه بهم لأنهم الوحيدون الذين كانوا مؤمنين لأن
قوم فرعون كانوا وثنيين فالمسألة من الحق سبحانه وتعالى وأيده بالمعجزة ليبين له
أنه مرسول بحق من السماء
( موسى عليه السلام ) فلا بد للمعجزة أن تأتى من جنس
الشىء الذى نبغ فيه القوم وهؤلاء القوم نبغوا فى السحر فجاءت المعجزة لا سحرا ولكن
من جنس السحر ولكنها ليست من نوعه لأن السحر تخيل فقط فالمعجزة كانت حقيقة والحق
سبحانه وتعالى أراد أن يبين لسيدنا موسى عليه السلام أنه هو القوى على هؤلاء
السحرة فلا تخاف ولا تفزع إنك الغالب الغالب وألقى العصا فألقاها فأصبحت حية حقيقية
( فأوجس فى نفسه خيفة موسى ) دلت على فوقية المعجزة على السحر لأن الساحر حينما
يرمى العصا تظل فى نظره عصا وإن كانت فى نظر المسحور تكون ثعبانا فما دام خاف منها
دليل على أنها أصبحت حية بالفعل ( خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) فكأنه
يريد أن يطمئنه أن معجزته ليست من السحر وإنما هى قريبة من السحر ولكنها ليست من
نوعه لأنها فى الحقيقة وهو فى التكليف ( سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر
عظيم ) ( يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى ) فعمل التجربة أمام ربه حتى لا يخاف فلما
ذهب إلى فرعون بينه وبينه أعاد التجربة ليقنع فرعون فلما لم يقتنع ( فجمع السحرة
لميقات يوم معلوم ) واختاروه فى يوم الزينة فهو عيد لهم فلما ألقى السحرة حبالهم
وعصيهم ألقى موسى عصاه ( فإذا هى تلقف ما يأفكون ) فلقطت حبالهم وعصيهم فالمسألة
كانت فوق السحر ( فألقى السحرة ساجدين ) لله الذى جاء من جنس السحر ما يفوق السحر
نفسه فقال فرعون ( أتسجدوا له قبل أن آذن لكم ) فقال لهم فرعون ( سأقطع أيديكم
وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ) فقالوا له افعل ما شئت ( إنا آمنا برب
العالمين رب موسى وهارون ) لأن المسألة ليست تفوق ساحر على سحرة ( آمنا برب موسى
وهارون آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر ) إلى آخر القصة .
الحق سبحانه وتعالى يقول لفرعون فى تحديد رسالة موسى
لفرعون ( أن أدوا إلى عباد الله ) أعطونى الناس الذين تعذبوهم ( بنو اسرائيل )
واتركونى وشأنى ( وأن لا تعلوا على الله ) إنى لا آتى من تلقاء نفسى وإنما أوتيت
بتعاليم من السماء فإن كنتم عملتم آلهة بينكم وبين أنفسكم فستعلمون أنكم لستم آلهة
ولذلك خوفهم بالإله الحق بأنهم يعلمون أنهم ألهة بالكذب ( وأن لا تعلوا على الله
أنى آتيكم بسلطان مبين ) ( وإنى عذت بربى وربكم ) من التعذيب والرجم لأن الرجم كان
مشهورا مع الأمم التى تكذب الرسول صلى الله عليه وسلم فى أنهم يرجمون ولذلك فى قصة
( شعيب عليه السلام ) قالوا ( يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد أباؤنا ) (
لئن لم تنته لنرجمنك ) فمسألة الرجم مسألة معهودة عند من يكذب الرسل فموسى عرفها
فقال ( إنى عذت بربى وربكم ) انظروا كيف استعاذ بمعاذ ماذا صنع الله له حيث جعل
رجل من قوم فرعون يقوم ليصدق موسى عليه السلام وهذا نتيجة قوله ( إنى عذت بربى
وربكم ) فقام رجل مؤمن من قوم فرعون يكتم إيمانه ليصدق موسى عليه السلام وتوجد
قضية انفلاق البحر لما أحب موسى بعد انتصاره على السحر أن يأخذ القوم ويخرج بهم من
مصر فتبعهم فرعون وجنوده فنظر أحد أتباع موسى فوجد فرعون وقومه بقوتهم من وراءه
فماذا قال ( إنا لمدركون ) إما من عدونا فرعون وإما أن نرمى فى البحر فماذا قال
موسى فى أمر قد يكذب به بعد ثانية واحدة لوجود فرعون خلفهم والبحر من أمامهم فالكلام
الذي تقولونه تقولوه لإنسان مجرد من عناية عليا سبقت فى قولى ( إنى عذت بربى وربكم
) فجعل نصيرى من جنس قوم فرعون قال ( كلا إن معى ربى سيهدين ) ( اضرب بعصاك البحر
) صدق الله معه فى قضية السحر شجعه فى أن يطيع أوامر الله لعلمه أنه لا يأمر إلا
بما ينصر فضرب البحر فالماء وسيلة الاستطراق فى الموازين ففى العصر الحاضر يصنعوا
من الماء ميزان استقامة الأشياء لأنه سائل يستطرق فى الأدنى حتى يصل للأعلى .
فلما ضرب البحر وهو سائل وقانونه الاستطراق المكانى
البحر انفلق فلقتين فلما انفلق فلقتين كان كل فرق كالطود العظيم فالماء أصبح
كالجبل فلما صارت الماء جبلا أصبح وجود طريق يابس فالمعجزة أن المياه السائلة كأن
كل شىء ليس معمولا بأنه يعمل بذاته ولكن يعمل بإرادة الله أن يعمل بدليل أن سيدنا
ابراهيم عليه السلام رموه فى النار وكان من الممكن المقصود نجاة ابراهيم كان يقدر
أن لا يمكنهم منه فيهرب منهم ولكنهم أمسكوه ووضعوه فى النار فيرسل الله عز وجل
سحابة تمطر الماء فتنطفىء النار فيقال إن السحابة أمر طبيعى فلولا السحابة لكان
احترق ابراهيم عليه السلام ولكن الله عز وجل نزع من النار خاصية الاحراق بالالقاء
فى النار والنار نار والله يأمرها لتحرق وأمرها أن تكون ( بردا وسلاما على ابراهيم
) فالمسائل ليست قوانين أشياء وليست ميكانيكا فصدق الأمر فى مسألة ما حين صار
كالطود العظيم ( الجبل العظيم ) وخرقها فى ابراهيم حينما أمر الله عز وجل النار
بألا تحرق ابراهيم ( كونى بردا وسلاما على ابراهيم ) فالحق سبحانه وتعالى طلاقة
قدرته الأفعال تنفعل لمراده لا لذات تكوينها
وإن لم تؤمنوا لى وبما أقول وتصدقونى فلا أقل فى أن
تتركونى فى حالى ( فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ) ( فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون
) فأعطاه حقنة وقاية من العلم بالشىء فلم يجعل القوم يتبعونه وفجأة وجد نفسه
محاصرا بين قوم فرعون والبحر ولكن المفاجأة قد تنصر الخصم فقال الله عز وجل له
عليها أولا ( إنك ستسير وهم سيسيرون وراءك فيستعد بقوله ( إن معى ربى سيهدين )
فيها سمة القدرة المطلقة فى حوادث الأشياء وتنتقل الحوادث إلى الضد
( فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون ) ( واترك البحر رهوا )
رها / يرهو / رهوا – عدا / يعدوا – عدوا
عدا : تجاوز المكان بالجرى .
ورهوا : ضده يجعله ساكن كما حصل قبل ضرب العصا كأن موسى
حينما ضرب البحر انفلق كل فرق كالطود العظيم وبه طريق يابس فلما نجا موسى ففكر
البشر ماذا يعمل ؟ اضرب البحر ليجعله يعود للاستطراق المكانى حتى لا يجد فرعون
سبيل فى أنه يتبع موسى عليه السلام فقال الله له ( اترك البحر ساكنا على ما هو
عليه ) ففضلها أولا ببشرية موسى فقالت نضرب البحر مرة ثانية فهل قال الله لك أضربه
مرة ثانية بل قال لك اضربه ضربة واحدة ( اترك البحر رهوا ) ليس بها غضاضة على موسى
لأن الله عز وجل هو الذى يصوب إليه الأمور فهذا شىء عظيم حينما يصوب له ربه ( ومن
ينقل لنا تصويب الله لرسله حينما يخطئون فى شىء اجتهادى لم يرد فيه حكم كرسول الله
صلى الله عليه وسلم ( لم تحرم ما أحل الله لك ) عفا الله عنك لم أذنت لهم
فالمسألة إياك تظن أنه سوف يعطيك ذاتية تتحكم ببشريتك
اتركنى بقدرتى فلما أراد موسى ضرب البحر
حتى يعود إلى السيولة قال له لا ( اترك البحر رهوا ) ساكنا ويوجد رهو بمعنى
فجوة لأنى أريد أن فرعون يسلك الطريق اليابس وراء موسى فلما دخل فرعون وجنوده
البحر فيكون موسى ومن معه من بنى اسرائيل وصلوا للبر الآخر من البحر وفرعون وجنوده
داخلين البحر ثم أعاد الله عز وجل البحر إلى سيولته بقدرته جل شأنه فقد أنجيت
وأهلكت بالشىء الواحد ( البحر ) فهذه طلاقة القدرة ( واترك البحر رهوا إنهم جند
مغرقون ) فالله يعلم كل شىء من حيث أنهم سيسيرون داخل البحر وسيغرقون .
( واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ) وبعد ذلك يحكى
الله لنا ما كان هم فيه أولا وصاروا إليه ثانيا ( كم تركوا من جنات وعيون ) غرقوا
وتركوا جنات البساتين الزرع الجميل والزهر ذى الأريج والثمار تركوها ( وعيون ) ماء
يروى الجنات ( وزروع ومقام كريم ) مقام ترد بشكلين المادة واحدة ( م و ق وأ و م )
لكن مرة يقال مقام بفتح الميم ومرة يقال مقام بضم الميم فما الفرق بينهما ؟
مقام بفتح الميم : مكان القيام .
مقام بضم الميم : المكان الذى أقيم فيه .
فالقيام من المكان جزء من حيثيات الاستعمال إنما المقام
الأصلى المكان الذى أقيم فيه ولقد وردوا الاثنان فى القرآن الكريم ( مقام بفتح
الميم ومقام بضم الميم ) .
فالإنسان حينما يكون جالسا أو مضطجعا أو نائما فما الذى
يجعله يقوم ؟ فكان مستريحا فقام بسبب أمر جد عليه والأمر الذى يجد عليه نوعين :
1 ) جاء أحد حبيبه من بعيد كان غائبا فينهض ليحضنه .
2 ) أو جاء أحد ليفزعه فيقوم .
فيوجد فرق بين مقام بفتح الميم ومقام بضم الميم .
( ومقام كريم ) المقام نفسه فى الكرم ومعنى أن المقام
فيه كرم يجد كل خير يأتى إليه من هذا
المقام وما دام هو لما يقوم ويجد الخير كأن الخير مطيع له حين يجلس ومطيع له حين
يقوم لا يكون ذلك إلا إذا كان له تابعين كثير وهو متبوع وله تابعين كثيرون يؤدون
إليه أمره فى قيامه وجلوسه واضطجاعه ومنامه .
( ونعمة كانوا فيها فاكهين ) نعمة كلمة مشتركة معها من (
ن و ع و م ) هذه نعمة بكسر النون ونعمة بفتح النون ونعمة بفتح النون وردت فى
القرآن الكريم مرتين ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها
فاكهين ) ( نعمة بفتح النون ) وفى سورة المزمل ( وذرنى والمكذبين أولى النعمة ) (
النعمة بفتح النون ) كذلك وبقية المادة ( ن و ع و م ) وجدت ( نعمة بفتح النون ) (
34 مرة ) نعمة إما مفردة وإما مضافة إلى الله عز وجل ووردت للخطاب ( اذكروا نعمتى
ونعمتك ) للخطاب و ( نعمته ) للغائبة فما الفرق بينهما ؟
النعمة بكسر النون : هو ما يتنعم به ولكن يلاحظ أن
المتنعم به أشياء خارجة عن الذات وخارجة عن الذات مرة يكون له القدرة أن يتنعم
ومرة ليس له قدرة على أن يتنعم فعنده البساتين والجنات والثمار والعيون والزروع من
نعم شتى ولكنه ليس له القدرة على استعمالها وجدت عنده النعمة ولم يوجد عنده التنعم
فنعمة عنده ونعمة ومتنعم بها ( ونعمة كانوا فيها فاكهين ) فاكهين مأخوذة من
الفاكهة لأن الطعام نوعين :
1 ) طعام به دوام الحياة واستبقاؤها .
2 ) طعام فيه ترف الحياة .
فاكهة : أمر ترفى فى الحياة فهى ليست ضرورية .
كأن عندهم ضروريات الحياة وفوق الضروريات من الأشياء
المترفة ( نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) كذلك : سلبت وأعطيت
للغير فلو سلبت ولم تعطى للغير تبقى خفيفة وإنما سلبت منه وأعطيت للغير فالحسد لم
يذم إلا لأنه يقول إن النعمة التى عند داود تزول ولو لم تأتى إليه فغرضه زوال
النعمة فلما يكون عنده إيمان أنا لا أطلب أن تزول ولكنى أطلب أن يكون لى مثل ما
عنده ( الغبطة ) والفرق بين الحسد والغبطة أن الحاسد يتمنى زوال النعمة عن المحسود
ولو لم تأتى إليه فهو كاره أن تكون النعمة عند المحسود .
أما الغبطة : تمنى مثل ما للغير ( وأورثناها قوما آخرين
) ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) فلما حدث منهم ذلك ( وخرجوا من جنات وعيون
وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين )
فأعطيناهم لقوم آخرين الذين كانوا يكرهونهم ويعذبونهم
ويستحيوا نساءهم ويذبحوا رجالهم أما مطلق التسبيح تعذيب وفيه اهانة أخرى وألم آخر
وهو أن الرجال سيموتون أما البنات فستبقى بدون زواج وهذه ذلة أخرى ولذلك كان
العربى حينما يخرج للحرب ويغتال قبيلة أخرى يأخذ كل نساء القبيلة المغار عليها
كعبيد .
( فما بكت عليهم السماء والأرض ) بكت السماء : السماء
جماد ليس فيها حياة فارتقى بالسماء إلى أن تجعل لها عاطفة وكان الله يجعل للإنسان
عاطفة فالعاطفة فى الحيوان قسمين :
1 ) عاطفة باقية وإن لم تحتج إليها .
2 ) عاطفة منقطعة إذا واحتجت إليها .
الإنسان بعاطفته يحب إبنه وكذلك الحيوان فبمجرد ما
تستخدم الخلفة التى للحيوان عنده ولا الحيوان يتذكرها أما عاطفة الإنسان باقية
مهما كان فتقوى العاطفة البشرية عند الحاجة فلما سألوا السيارة أى بنيك أحب ؟ قالت
المريض حتى يشفى والغائب حتى يعود والصغير حتى يكبر فالعاطفة آتية على قدر الحاجة فى
الحيوان ولكنها فى الإنسان تبقى ولو على غير الحاجة .
الجماد : خلق لها عاطفة وتخاطب من أولوا الألباب
المستنيرين ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبل أحد أحد جبل يحبنا ونحبه
ويقول له اثبت أحد ويخاطبه خطاب العقلاء إنما عليك نبى وصديق وشاهدان فالنبى خاطب
الجبل وأثبت أنه يحب ويحب لكن الإنسان لا يعرف كيف ؟ لأن الجمادات التى ليس لها
عقول مسخرة لأمر الحق فلما خير الله عز وجل السماء والأرض ( إنا عرضنا الأمانة على
السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا ) فالسماء والأرض والجبال مقهورون على العبادة لا بل مختارون فالاباء اختيار
فكل شىء فى الوجود خير فقال أحدهم إنى لا أريد أن أكون مخيرا بل أريد أن أكون
مقهورا على ما تريد فلا أضمن نفسى لأن فيه فرق بين تحمل العقل وبين الآداء العقلى
فالإنسان اختار تحمل الأمانة فى الجزئيات فاختار الايمان ويصبح الايمان حسنا
فحينما قامت دعوة الاسلام وعاندوها فيوجد كفرة وآمنوا فوقت التحمل رضى ووقت الآداء
لم يرض على نفسه فالفرق بين التحمل والآداء فالسماء والأرض والجبال يوجد لديها
تفكير ويخاطبها خالقها ( الله )
ويضرب مثل فى النبات إن داود يسبح معه الجبال والشجر
. يسبح معه : يسبح مع داود الجبال والشجر
يقولوا ( لا إله إلا الله سبحان الله ) ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ) والحيوان
حيث قالت النملة ( ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) فالنملة
عندها مقاييس الحق والعدالة ( وهم لا يشعرون ) فيوجد مقياس للعدالة فى كل الأمور
وفى العقائد فالهدهد لما راح ونظر سيدنا سليمان فلم ير الهدهد فى مكانه فتتبع
الهدهد وحين جاء الهدهد قال لسليمان عليه السلام ( أحط بما لم تحط به وجئتك من سبأ
بنبأ يقين ) إنى وجدت إمرأة تحكم اليمن ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس
من دون الله ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبأ فى السموات والأرض ) فقال قضية
التوحيد .
ربنا ذكرها لنا فى أشياء فى حيوانات فى شجر فى بلح لنعرف
أنها مخلوقات الله خلق فيها كل ما خلق للإنسان حتى العاطفة ( فما بكت السموات
والأرض ) كأن السموات والأرض تبكى على من
فالإنسان حين ينسجم مع الكون الغير مكلف ( السماء والأرض
والجبال والشجر ) حين ينسجم ويصبح عابد لله عز وجل يسعدوا به وهم مسبحين وهو مسبح
فيحبوه وما دام يحبوه لما يفتقدونه يحزنوا فقدنا واحد كان منسجما معنا فى قضية
التوحيد وقضية الدين ولذلك سيدنا على كرم الله وجهه لما سؤل أتبكى السماء والأرض ؟
قال نعم إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان موضع فى الأرض وموضع فى السماء أما موضعه
فى الأرض فموضع مصلاه أما موضعه فى السماء فمصعد عمله فالعمل الطيب الذى له أريج
كأن فى صحبه وفيه إلف حتى بين المكان وبين الإنسان المؤمن فلما رأوا قوم فرعون
وتركوا وتركوا فلا يوجد سماء ولا أرض بكت عليهم كأن الأرض تبكى على أضداضهم من
المؤمنين بإله واحد ( فما بكت السماء والأرض وما كانوا منظرين ) منظرين : مؤجلين
بدون مهلة ( ولقد نجينا بنى اسرائيل من العذاب المهين )
العذاب هو المؤلم للمادة ( عذاب ) و ( مهين ) : فى أشياء أكثر من المادة تتألم
فالإنسان الذى له كرامة فإذا قلت له كلمة تكون أشد من العذاب عليه ( إهانة / مهين
) ومتكبرين بأن أحد منهم إله فلما يقولوا كان بنو اسرائيل يهونوه فيذبحون أبناءهم
ويستحيون نساءهم ( إهانة ) ( ولقد نجينا بنى اسرائيل من العذاب المهين ) من فرعون
( إنه كان عاليا من المسرفين ) والمسرف هو الذى يتجاوز الحد الذى وضعه الله فيه
إلى غير ما وضعه الله فيه فى أنه يستعبد الناس ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحرارا ) ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) هذه الآية أخذها اليهود
على المسلمين فاليهود ( شعب الله المختار ) مختار على من ؟ مختار على بنى جنسك
لأنهم كانوا وثنيين فأنتم تؤمنون بإله فأنتم أحسن منهم أنتم تريدون سحبها على الكل
( شعب الله المختار ) ( فقطعناهم فى الأرض أمما ) ولذلك
انتثر بنو اسرائيل فى كل الدنيا وجالسين فى منطقة مخصوصة بحيث لا ينسجمون ولا
يذوبون فى البيئة ( حارة اليهود فى مصر ) ( وقطعناهم فى الأرض أمما ) ومعنى
قطعناهم فى الأرض كل قطعة فى مكانها أمم لا تذوب فى البيئة ( وإذ تأذن ربك ليبعثن
عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) ( ولقد اخترناهم على علم على
العالمين ) أى عالم لأنهم كانوا مؤمنين بإله وبرسول فى قوم لا يؤمنون بإله ولا
برسول ( وأريناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) آيات لسيدنا موسى حيث ينجيهم من
الغرق وينجيهم من فرعون فلما خرجوا قالوا لموسى ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )
وعندما ذهبوا فى التيه لله يكرمهم وينزل لهم المن الذى به مادة السكرية والسلوى
طائر ينزل عليهم من السماء ليصطادوه ويأكلوه فهم ماديون فالغذاء الذين لا يتعبوا
فيه يرفضونه / إنا لن نصبر على طعام واحد
فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال
أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم
الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ) فنحن نريد مما تنبت الأرض من ( بقلها
وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) فهم بالغوا فى ماديتهم حتى قالوا ( لئن نؤمن لك
حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) فموسى عليه السلام فتح لهم
الطريق بقوله ( أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه
فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) ( وآتيناهم من الآيات ما
فيه بلاء مبين ) البلاء : الاختيار والبلاء والاختيار ليس مذموما فى ذاتهما إنما
يذم بنتائجه / إن هؤلاء ليقولون إن هى إلا
موتتنا الأولى
فالتوراة والتلمود لا نرى فيهما كلام عن اليوم الآخر مع
أن اليوم الآخر من عناصر الايمان فقالوا ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) (
نحن أبناء الله وأحباؤه ) فهم ينكرون البعث على عمومه ( إن هى إلا موتتنا الأولى )
الموت له معنيين :
1 ) هو أن نوجد بعد عدم فكأن العدم موت ثم نحيا ثم نموت
مرة أخرى ثم نحيا ليوم البعث والجزاء ( الجنة للمؤمنين ) و ( النار للكافرين
والمنافقين والمكذبين الضالين ) فلم يحسبوا الموتة الأولى فالموتة التى بعدها بعث
لا توجد أصلا ( وما نحن بمنشرين ) ليسوا بمبعوثين
( فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) فهذه آيات مشهد ليست
إيمانا فمحل الايمان أن يكون غيبا فالايمان بالغيب : الايمان نفسه أما الايمان
المشهد فليس ايمان فهو أمر محس ( فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) فما جاء أحد
ليخبر الناس هل هم فى جنة أم فى نار .
( إن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا
بآبائنا إن كنتم صادقين ) فكأنهم لم يؤمنوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
من شروط الايمان بالإله الواحد والرجوع إليه فى يوم الفصل الذى لا محل له فهم لا
يصدقون إلا بالأمر الحسى أن يأتوا بآبائهم الذين ماتوا ويقولوا لهم إن كنتم تريدون
ذلك فأنتم تقرأون فى التاريخ وتقرأون فى رسالات الرسل أن الحق سبحانه وتعالى تكلم
عن الصاحب الذى أتى على قرية ( أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام
ثم بعثه ) قال له كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ) فنجد
هذا الجواب فى كل سؤال لقوم ناموا طويلا فإذا سؤلوا عن مدة نومهم لم يجيبوا عن (
يوم أو بعض يوم ) لأن العادة فى الإنسان العادى أن ينام يوم أو بعض يوم وأهل الكهف
لما استيقظوا من النوم ماذا قالوا ؟ قالوا كم لبثتم ؟ قالوا ( لبثنا يوما أو بعض
يوم ) لماذا ؟ لأنهم رأوا أنفسهم كل منهم شاهد زميله الذى كان يعرفه لم يجد فيه
تغيرا يثبت مر السنين عليه فوجده على الهيئة التى نام عليها فلو كانوا ناموا وهم
فى سن الشباب واستيقظوا فى سن الشيخوخة كانوا يقدروا إعطاء زمن على هذا الأمر فلم
يجدوا شيئا تغير فيهم ساعة ما ناموا فهو هو الشكل الذى ناموا عليه .
( أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها أنى يحيى
هذه الله بعد موتها ) يستعجب كيف يحيى الله القرية الخاوية بعد موتها فالله أماته
مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم لأنها أصلا المدة التى
يمكن للإنسان أن ينامها قال له لا بل لبثت مائة عام فالله قول
ولصاحب الذى مر على القرية قول ( لبثت يوما أو بعض يوم )
فرد الله عليه بقوله ( بل لبثت مائة عام ) فيوجد دليل من الكتاب على أن هذا فيه
صدق وذلك فيه صدق ( قال لقد كان معك حمار الذى كنت تركبه ) فانظر إلى الحمار فلما
نظر إلى الحمار وجده تراب فمعقول فى يوم وليلة يموت الحمار وبعد ذلك يتفسخ فصدق
الله حين قال ( بل لبثت مائة عام ) لكن هل كذب هو فى قوله ( لبثت يوما أو بعض يوم
) فلم يكذب بدليل أن الله أخبرنا أنه صادق كذلك كيف ؟ قال انظر إلى طعامك فلم يجد
الطعام لم يحمض ولم يحدث له شىء ( يوما أو بعض يوم ) فكأن الله سبحانه وتعالى حريص
على أن يبين أنه صادق كذلك لأن بصدقه هو فى قوله ( لبثت يوما أو بعض يوم ) وصدق الله
فى قوله ( بل لبثت مائة عام ) فعن طريق فهم أن الله هو القابض الباسط يقبض الزمن
فى حق قوم ويبسطه فى حق آخرين وهو القابض الباسط .
( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت
فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) فالذى يموت ويحيا لا يعيش بعدها بقدر المعجزة ثم
يموت ( فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) الحق يريد أن يقارن بين هؤلاء وبين الذين
سبقوهم من الأمم فقال ( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا
مجرمين ) فتبع ملك حميرى من ملوك اليمن وملوك اليمن كانوا فى القديم ملوك الأرض
الخضراء أو الوطن ( اليمن ) السعيد لوجود كل الخيرات وسد مأرب فملك تبع كان رجلا
صالحا لكن قومه كذبوه وبعد ذلك ( أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ) وتركهم السد الذي
كانوا معتزين به ويرون به كل الخيرات فأرسل الله على السد ( سيل العرم ) انتهت
المسألة كلها والذى أعطاهم الترف / أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم
إنهم كانوا مجرمين
كلمة مجرم تدل على من بلغ فى الإثم مبلغا عظيما فمجرم
يأتى بالجرم الفاحش العظيم يلقب بأنه مجرم وقال الله ( والذين من قبلهم ) وفى آيات
أخرى ( وكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أغرقنا ) ومثل من أصحاب
الحضارات القديمة وفى سورة الفجر ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التى
لم يخلق مثلها فى البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذى الأوتاد ) فى (
ق / 20 ) أصبح العلماء ينظرون على المبانى كيف بنيت وكيف تم رفع الحجارة فهذه
الحضاره لم تستطع أن تبقى بل كل الحضارات انتهت ولا نعرف على ماذا انتهت ؟ ( أهم
خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) لأنهم كان فى الزمن
الماضى الرسول غير مطلوب منه أن يحارب إنما الرسول يبلغ فقط والسماء هى التى تؤدب
فلم يؤذن للقتال لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه هو المأمون على أن يسوس
للبشر برأيه المشبع بمنهج الله سبحانه وتعالى ولذلك لم يأت رسول بعده فلكن لم يأت
رسول بعده دليل على شهادة الخير لأمته وأن أمته سيظل فيها الخير إلى أن تقوم
الساعة ( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) الحق
يريد أن يلفت إلى قضية كونية تعم الجميع ( الماضى والحاضر ) فعندكم شىء ثابت لا
يتغير ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ) فالسماء أول ما خلقت دلت
على أنها سائرة على نظام محكم لا يتخلف وما دام محكم لا يتخلف لا يتغير فهى مبنية على
الحق لأن المبنى على الباطل فالباطل كاذب دائما فالواقع لا يتغير إنما الكذاب يقول
شىء ما ولما تسأله اليوم التالى يخبرك بأمر آخر مغاير لما قاله سابقا ( إن كنت
كذوبا فكن ذكورا ) كذبت بالأمس فماذا قلت ؟ فالكاذب يناقض نفسه ولو كان الكاذب
يستوفى حقه ما اختلف أمره ( ما خلقناهما إلا بالحق ) ( وما خلقنا السموات والأرض
وما بينهما لاعبين ) ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا ) الآيات كلها
تدل على أن الله خلقهم بالحق أى خلقنا السماء لغاية وبهندسة دقيقة لا تتعارض فى أى
وقت هى هى فالشمس تطلع فى وقت كذا وتسير بسرعة كذا والقمر يسير بسرعة كذا وفى
الوقت الفلانى القمر يأتى بين الشمس والأرض ومرة تأتى الأرض بين القمر والشمس (
خسوف القمر ) وذلك ( كسوف الشمس ) بموازين دقيقة لا تتخلف فهى دليل على أنها
مخلوقة على نظام لا يتعارض والذى خلقها على نظام لا يتعارض خلقها لغاية والغاية
عند آدم هى الغاية عند آخر واحد فى الدنيا فلا بد أن تكون عند الكل بنظام واحد لا
يختلف ( ما خلقناهما إلا بالحق ) ومعنى الحق : الشىء الثابت الذى لا يتغير وما دام
ثابت لا يتغير فالحق سبحانه وتعالى يقول هناك ماذا ؟ ( والسماء رفعها ووضع الميزان
ألا تطغوا فى الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) انظروا للسماء
فهل هى تختل فى كواكبها وفى شمسها وفى قمرها ؟ لا أبدا لماذا ؟ لأنها مخلوقه
بميزان فإن أردتم أن تعتدل لكم أموركم فأدوا كل أموركم بهذا الميزان فلما تؤدوا كل
أموركم بهذا الميزان لا يحصل خلاف أبدا ( ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا
يعلمون وكم من آية فى السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها مفرطون ) فإنهم معرضون
فى الدنيا وسوف يعرضون على الله عز وجل فى الآخرة ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين )
ميقاتهم : الوقت الذى سوف يأتون فيه للعرض على الله كلهم المكذبين والمؤمنين الذين
عارضوا الرسل والذين أيدوا
الرسل والذين عارضوا الرسل بينهم وبين بعض الخلاف
والعناد ويقعد كل واحد يتهم فى الآخر
( إن أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) ( كنتم
تأتوننا عن اليمين ) ليجلسوا ويختلفوا مع بعض ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا
المتقين ) فحين يشبههم الحق الذى لا يتغير ولا يختلف ولذلك قال الحق والباطل هم
أمام بعض ( الحق أمام الباطل والباطل أمام الحق ) احذر أن تتذكر أن الحق ينطمس فى
أى وقت فالحق ينطمس ليعلوا الباطل لماذا ؟ لأن عندما الباطل يعلى لبعض الناس فلما
يقضى على الناس بظلمه وبطشه وجبروته فالناس تستشرف للحق كأن الباطل جندى من جنود
الحق والكفر جندى من جنود الايمان فالايمان يخلص الناس من جبابرة السيادة ومن
طغيان الجماعة الذين لهم السيطرة فلماذا كبار القوم الذين عارضوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم لأنه سوف يسلب منهم السيادة وسيشد البساط من تحت أرجلهم فلا بد من
معاداته لكن الناس الذين كانوا ضعفاء أول الناس الذين آمنوا برسول الله صلى الله
عليه وسلم
( لم يتبعوا إلا أراذلنا بادىء الرأى ) وآتينا بالايمان
( إن عثمان بن عفان وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ومصعب بن عمير ) هؤلاء الذين
تمسكوا بالحق لأنهم رأوا بصيص الحق سيرحمهم ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين )
فالميقات إما زمانى أو مكانى فالميقات المكانى
رابغ ميقات أهل مصر ليحرموا من عنده فى وقت الحج أو
العمرة فميقات المدينة ( أبيار على ) ميقات مكانى لا تمر عليه إلا إذا كانت محرمة
.
( يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ) فما حكاية مولى عن
مولى شيئا لأنه لم يقل لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم أقرب الناس للإنسان الذين
يهمهم أمره فيه ناس لا يكتفون بالأرحام والأقارب والأولاد أناس موالى أى عبيد بل
هؤلاء لن ينفعوكم ( لا يغنى مولى عن مولى شيئا ) كل إنسان متعلق من عنقه ( لا يسئل
حميم حميما ) ( يوم يفر المرء من أبيه وأمه وأخيه وفصيلته التى تؤيه ومن فى الأرض
جميعا ثم ينجيه ) فكل إنسان مشغول بنفسه ( يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم
ينصرون ) مولى عن مولى شيئا مولى عن مولى البشر بعضهم مع بعض فلما كان هناك أناس
يعبدوا الأصنام فهل الأصنام نفعتهم بشىء ( ولا هم ينصرون ) ولذلك فى عقوبات الآخرة
فيأتى الناس الذين كفروا يأتى إليهم الكفر أمامهم ( يقدم قومه يوم القيامة ) فرعون
الذين كانوا يعبدونه أمامهم ولماذا أمامهم لأنه لو غلب سيقال أنهم سوف يأتى الأن (
ثم لنأخذن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) أى قدمهم أمامهم ( إلا من رحم
الله إنه هو العزيز الرحيم ) رحمة فى الدنيا بأنه جعله غير متكبر ومؤمن بالله تلك
هى أول الرحمة حيث أن أول الرحمة هداية الناس إلى أن يؤمنوا ( إن شجرة الزقوم طعام
الأثيم ) يعطينا صورة لما يوجد فى النار لأن الإنسان يعتمد على الطعام والشراب
والهواء فصورة للطعام وصورة للشراب ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) يأكل من شجرة
الزقوم الأثيم الآثم فما هى شجرة الزقوم فهى شجرة ممتنة فالأنف يتأذى من الريحة
وطعمها مر والذوق يتأذى من المرارة والعين تتأذى بسوء المنظر ( طلعها كأنه رءوس
الشياطين ) رءوس الشياطين هل رأى أحد الشياطين أو الشيطان لا أحد رآه ولذلك
المستشرقين يمسكوا هذه الآية الله سبحانه وتعالى فى كتابكم يقول ( طلعها كأنه رءوس
الشياطين وهل رأى أحد رأس الشيطان ؟ لا هل رأى أحد شجرة الزقوم ؟ لا شبه مجهولا
بمجهول والأصل فى التشبيه أن تشبه مجهولا بمعلوم فلم تفهموا عن إعجاز القرآن شىء
فلو عملنا مسابقة عالمية بين رسام الكاريكتير فى العالم فنقول لهم نحن نريد أن
ترسم لنا صورة الشيطان كل واحد يأخذ ورقة وقلم ويرسم الشيطان فيرسم الشىء على أى
شىء تخيله فعن طريق تخيل الرعب والقبح فى نظره هو والثانى سيعمل الرعب والقمح فى
نظره كذلك فلا توجد صورة تأتى مثل الأخرى فالقبح له أذرع متعددة فليس له لون واحد
وتوجد أشياء بشعة عند الناس وليست بشعة عند الآخر فالشفاة الرقيقة جمال عند
المجتمع لكن فى بلاد أخرى الشفاة الغليظة هى عين الجمال ففيه شىء قد يكون قبيحا
مكروها عند واحد ولكنه محمود عند الغير فلما كل الرسامون يرسموا صورة الشيطان هل
يتفقوا فى الرسم ؟ لا يتفقوا بل سنرى من الأبشع فالأبشع هو الذى يأخذ الجائزة
فصورة الشيطان المرسومة فى الذهن الإنسانى أنها صورة بشعة كل واحد سوف يتخيلها فلم
يخبرنى لماذا صورة واحدة ؟ لأن الصورة قد تفزع قوما ولا تفزع آخرين وهو يريد
الإتيان بها بكل الألوان حتى يشيع القبح أم يحدده ؟ يشيع القبح فالابهام فى ( إن
شجرة الزقوم طعام الأثيم ) ( طلعها كأنه رءوس الشياطين ) يريد أن يقبحها قبحا عاما
يستوعب كل وسائل القبح عند مختلف الناس فهل وسع المعنى أم ضيقه ؟
( طلعها كأنه رءوس الشياطين ) فلما أبهم بين بقوة فأبهم
ساعة الموت فإبهامها هى عين البيان لماذا ؟ لأنه عندما أبهم ساعة الموت أترقبه فى
كل دقيقة ؟ فلو أبهمه لحدده لكن لو لم يبهمه بينه فيصير الوقت واحد إنما لما أبهمه
أصبح له كل الوقت زاد البيان ووضح زاد البيان ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل
يغلى فى البطون ) فما هو المهل ؟ المهل : فكل عقارات الزيوت والمواد المذابة (
الدردى ) هو ( المهل ) هذا إن كانت من أصول لينة أما إذا كانت من معادن مذاب
الحديد مذاب النحاس مذاب الذهب فالحرارة تكون فيه أقوى لماذا ؟ لأن عند غليان
الماء وبعد ذلك تنحط فالأقرب من الجو الذى ليس حارا يأخذ بعض المرونة والوسط هو
الذى به الحرارة فكل ما كان المعدن متماسك كل ما تكون الحرارة فيه شديدة جدا
فسيبقى مذاب النحاس ومذاب الرصاص ومذاب الذهب كل مذاب مادة غير ( الدردى ) ( المهل
) و ( يغلى فى البطون )
فالشىء عندما يكون شديد الحرارة فلا يوجد بينه وبين
الجسم استطراق ( كالمهل يغلى فى البطون كغلى الحميم ) والحميم هو الماء الحار الذى
وصل لدرجة الغليان ( خذوه ) مخيفة
( خذوه فاعتلوه ) خذوه بقسوة وبشدة إلى سواء الجحيم (
خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ) فما الفرق بين :
1 ) إلى الجحيم :
2 ) إلى سواء الجحيم : السواء هو الوسط سواء السبيل :
وسط الطريق لأنه لو لم يكن فى الوسط لكان فى الطرف قليلا وما دام على الطرف فيوجد
جزء ليست بجحيم فتعطيه بعض الحنان لكن سواء الجحيم فكل مكان حوله مثل الآخر فى
العذاب فخذوه فى الغصن ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ) فالجوف يغلى ومن فوق
يصب فوق رأسه من العذاب الحميم غليانيين ثم يأتى التهزىء والتهكم ( ذق ) الإذاقة :
محلها اللسان و الله عز وجل يقول ( أن البطن سيغلى )
( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ) ( ذق ) آتية لماذا
ولمن ؟ فالذوق يكون شامل له فى كل أبعاد جسمه ( ذق لأنك كنت العزيز الكريم ) فى
دنياك وفاهم أن عزتك سوف تصبح ملازمة لك ( ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها
منقلبا ) إننا فى عزة وعندما أرجع إلى الله سوف يعطينى الله ( ذق لأنك كنت العزيز
الكريم ) تهكم ( إن هذا ما كنتم به تمترون ) فالذى شك فيه أصبح حقيقة وحقيقة لا
ينفعها الايمان فهل نقول مؤمن ؟ يقال لك : انتهت المسألة فلما تكلم عن
( شجرة الزقوم ) وما أعد للكافرين أحب أن يتكلم عما أعد
للمؤمنين فى المقابل ( إن الأبرار لفى نعيم ) و ( إن الفجار لفى جحيم ) ( إن
المتقين فى مقام أمين ) المتقى هو الذى يجعل بينه وبين صفات جلال الله وقاية لأن
الله له صفات متعددة ففيه صفات جلال وفيه صفات جمال ( الرحيم / الغفور / الباسط )
كلها صفات جمال لكن فى صفات جلال يستقبلها الإنسان بالهيبة والخشية
( قهار ذو البطش ) فاجعل أيها المؤمن بالإله وقاية بين
صفات جلال الله ونفسك لأنك لست حمل صفات الجلال من الله اتقوا الله : اجعلوا بينكم
وبين عذاب الله وقاية فقال ( اتقوا النار ) فالنار جندى من جنود صفات القهر فلما
نجعل بيننا وبين صفات جلال الله وقاية فنأتى بالبروز التى منها النار جعلت بينك
وبين النار وقاية ( اتقوا الله ) مثل ( اتقوا النار ) بالتمام ( إن المتقين فى
مقام أمين ) مقام بفتح الميم : مكان القيام
و مقام بضم الميم : ( الإقامة والمسكن ) فهو فى مقام أمين كيف ذلك ؟ فلا
تختار مسكنا حتى فى عرف البشر لا يمكن أن يختار مسكن لتقوم ببناء مدينة سكنية
تعطيها مقومات الأمان لساكنها فما هى مقومات الأمان ؟ إنها لا تكون فى بيئة وحوش
حتى يؤمن موقع سكنه من أى شر يهدده فالمسكن لا بد أن يتحدد فيه أمرين :
1 ) أن يكون أمينا والأمين ضد الخائن ومعنى الخائن هو
الذى يأتيك بشر فالشر قد يتغلغل فى بيتك فلا تختار مسكنا إلا إذا شعرت بالأمن
والأمان فالأمن فى المقام بفتح الميم فوق الأمن فى المقام بضم الميم .
فسيدنا ابراهيم عليه السلام فلما قال لله / أسكنت من
ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم
قال رب ( اجعل هذا بلدا آمنا ) وتوجد آية أخرى ( اجعل
هذا البلد آمنا ) فالبلد مرة معرفة بأل ومرة غير معرفة بأل فالأولى قال ( اجعل هذا
بلدا آمنا ) يعنى كما يشترط فى أى بلد لقوم يسكنون فالإنسان آمن فيه من كل شر (
هذا بيتك المحرم ) فله أمن آخر أكبر من أمن الإنسان لنفسه ( اجعل هذا البلد الذى
جعلته آمنا إجعل هذا البلد آمنا فالأمن خاص به صحيح ( ومن دخله كان آمنا ) فيوجد
أمنان :
1 ) أمن يشترك معه فى كل القرى التى تسكن .
2 ) وأمن آخر حتى أمن الرجل يلقى قاتل أبيه فلا يؤذيه ما
دام فى البيت الحرام أو ( البيت المحرم ) حتى يضيق عليه ويأخذ حقه منه فالمسكن لا
بد له من الأمان والأمن ليبقى مسكن وينام فيه صاحبه ليمئن على نفسه من هجمات
الوحوش والمجرمين ( حتى مقام أمين ) وأمين ضد خائن إذن ففيه مقام خائن يحدث
للإنسان شرا .
2 ) ليس فقط مقام أمين وفى جنات وعيون الترف الأمن أولا
والترف ثانيا فالجنات لا تتأتى إلا بمياه فيقال بها عيون تروى الجنات ( فى جنات
وعيون ) فالملبس قسمين :
1 ) ملبس يستر العورة الضرورية .
2 ) ملبس آخر للفخفخة فزمان كانوا يزينوا الملابس بريش
النعام فلباسه فوق العادى وفوق الضرورى فالحق عندما تكلم عن الموضوع فى اللباس (
يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم ( ضرورى ) وريشا ( لباس الترف )
فيوجد لباسين لباس ضرورى ولباس ترفى لكن لباس التقوى ذلك خير .
فيوجد ( 3 ) لباس : 1 ) الضرورى 2 ) الترفى 3 ) التقوى
لباس التقوى خير من ذلك لماذا ؟ لأن اللباسين ( الضرورى
والترفى ) الضرورى للستر والترفى للأبهة فى الدنيا إنما لباس التقوى فماذا يفعل لى
ستر وأبهة فى الآخرة أيهما أدوم الدنيا أم الآخرة فالآخرة أطول عمرا فلا بد أن
يكون لباس التقوى هو اللباس الحقيقى
( ويلبسون من سندس واستبرق ) السندس أولا : الحرير
الرقيق الاستبرق : الحرير الغليظ اللامع
فيوجد خفيف وثقيل فكلمة ( استبرق ) المستشرقين وقفوا عندها استبرق مأخوذة من
الفارسية وأصلها استبرك بالكاف فعندما عربت أصبحت استبرق فكيف يكون القرآن عربى
وبه هذه الألفاظ ؟ سندس : من الفارسية واستبرق من الفارسية والفنطاس من الفارسية
فكيف يكون عربيا ؟ ما معنى أن هذا عربى إذا نطق به العربى فهمه العربى الآخر فلو
جئنا بكلمة أجنبية وشاعت فى لسان العرب بحيث لو نطقها أحد فكلنا نفهمها أهى بنك
ليست عربية وإنما أرق من كلمة مصرف فمعناها عربى وإن كانت أجنبية لاكتها الألسن
قبل أن ينزل القرآن فلما لاكتها وفهمها المخاطب من السامع أصبحت عربية ( يلبسون من
سندس واستبرق ) فالمسائل التى حرمها الله على الذكور جاءت لهم الحرير الرقيق (
السندس ) والحرير الغليظ ( الاستبرق ) وكان متروكا للنساء ( يلبسون من سندس
واستبرق ) ( متقابلين ) ناظرين لبعضهم البعض دليل على الأنس فلم يعطوا لبعضهم
البعض جنب ( متقابلين ) ( لذلك ) أى مثل هذا النعيم ( وزوجناهم بحور عين ) كلمة
زوجنا إما أن تتعدى بالباء أو تتعدى بنفسها زوجته فلانه جعلتها زوجة له إنما زوجته
بكذا جعلته له فرضا ليجعلوه زوجا ليس ضرورى أن يكون أنثى فلما تقول زوجته بكذا
يعنى جعلت له فرضا يشبهه ليصبح زوجا فكلمة زوج فزوج تتعدى فإن أردت الزواج من أنثى
وذكر تزوجها وليس تزوج بها ( تزوجها ) لكن عندما تكون فعلت الفرد معه فرد آخر
أصبحوا فردين وزوجته به أى صار به زوجا ( وزوجناهم بحور عين ) نقلتها من مسألة
الزوجية التى نعرفها إلى الأنس بالجمال الذى هو قمة ما نعرف من اللذات فالفتى
عندما يبلغ فالفتى ينظر حوله من أجل البحث عن شريكة حياته فى المستقبل ليعرف
مفاتنها فجعلنا له قمة اللذات لماذا ؟ لأننا سوف نخلق خلق جديد وما دام سنخلق خلق
جديد فستأكل ولا تتغوط كيف يحدث ذلك ؟ فماذا آكل هل سأبقى قربة ؟ لا ولا يجرى شيئا
( وزوجناه كذا ) الزوجية بالذكر والأنثى وزوجته بكذا جعلته متزوج ( بحور عين )
الحور العين : العملية متعة النظر ومتعة الكلام فسيتغير الشكل تماما وتصبح خلقا
آخر فملك الروم أرسل لمعاوية أننا عندنا مسائل نريد أن نسأل عنها فى دينكم فأرسل
له الشعبى وقال له يا شعبى أنتم تقولون الذى يؤخذ منه لا ينقص عندكم وكل شىء يؤخذ
منه ينقص فهذا إن لم يكن له مدد فتنقص متى ؟ لما تكون كمية صغيرة وأخذنا منها تنقص
؟ إنما لها مدد فلا تنقص .
( وزوجناهم بحور عين ) وهذه نعمة أخرى من النعم التى
أعدها الله للمتقين وما أعده الله للمتقين جاء بعد ما أعده الله للكافرين الذين لم
يؤمنوا به ولم يتبعوا رسله فى قوله / يوم الفصل
( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) والفصل دائما لا يكون
إلا بين شيئين اتحدا فى شىء واختلفوا فى شىء آخر اتحدا فى الوجود بالدنيا والتمتع
بنعمة الله الذى خلق لهم مقومات حياتهم من هواء وماء وطعام وشراب وترف وملبس وخلق
لهم قبل أن يخلقهم المؤمنون والكافرون فيه سواء لأنهم جميعا خلق الله وهو الذى
استدعاهم للوجود وما دام هو الذى استدعاهم للوجود فلا بد أن يضمن لهم مقومات حياة
هذا الوجود والمقومات هى ( 8 مراتب ) : فحين تكلم الحق عن اللباس الذى أعده الله
لخلقه فى الأرض قال إنهم أعطاهم ( 3 ألبسة ) .
1 ) لباس يوارى سوءاتهم ( ضرورى ) ( يا بنى آدم قد
أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم )
2 ) ( ريشا ) للترف والأبهة عن طريق تزيين الملابس بريش
النعام فأنزل الله اللباس الضرورى
الذى يوارى العورة واللباس الترفى ( وريشا ) ( زينة
الحياة الدنيا ) .
3 ) لباس التقوى خير من ذلك .
( 3 ألبسة ) ( 2 لباس للمادة الضرورى والترفى ) ولباس
التقوى للنعيم الأخروى لماذا ؟ لأن لباس الدنيا الضرورى ( يوارى العورة ) واللباس
الترفى ( الريش ) مدتة موقوتة وينتهى الإنسان والإنسان لا يعرف مدة جلوسه فى
الدنيا يمكن لا يتمكن أن يكون له عورة تستره فى الدنيا فينزل من بطن أمه ميتا
فالحق سبحانه وتعالى سوى بين الناس جميعا فى مقومات حياتهم الدنيا والمادة فقال
للشمس اشرقى على الجميع وأعطى خيرك للجميع وللهواء مرعلى الجميع وللماء اروى
الجميع ولكنه خص المؤمن به بشىء آخر شىء آخر يطيل حياته عن حياة غير المؤمنين
لماذا ؟ لأن مقتضى ما تعطيه مقومات الحياة من طعام وشراب وهواء وماء وملبس يوارى
سوءاته ولباس الترف ذلك متاع الحياة الدنيا فالله سبحانه وتعالى يعدنا لحياة أفضل
فإن الإنسان فى هذه الدنيا وإن كان منعما ينغصه أمران :
1 ) يخاف أن يفوت النعيم فيموت .
2 ) يخاف أن النعيم نفسه يفوته وهو موجود فى الدنيا .
فمهدد بأمرين إما أن يفوت النعيم أو أن النعيم يفوته
فيعطيه دار أخرى ولا يفوت فيها النعيم فلا يموت ولا النعيم يفوته ( وإن الدار
الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ) فالحق سبحانه وتعالى حينما سوى فى عطاء
الربوبية بين الجميع جاء فى يوم الفصل قال لهم إنكم فى الدنيا كنتم مثل بعض لكن فى
الآخرة شىء آخر فالكافرين ( فى شجرة الزقوم ) ( كالمهل يغلى فى البطون ) والمؤمنين
فى المقابل ( إن المتقين فى مقام أمين ) بفتح الميم والشىء دائما يحصر فى النفس
عند ذكر مقابله ( إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم ) فالكافرين الفجار فى
الجحيم والنار والمتقين الأبرار فى النعيم والجنات ( إن المتقين فى مقام أمين )
المقام بفتح الميم
مكان القيام أما مكان السكن فهو المقام بضم الميم فمقام
أمين بفتح الميم مسألة عرفناها من سيدنا ابراهيم عليه السلام أبو الأنبياء لما
أسكن بواد غير ذى زرع ذريته وسألته هاجر أنت نزلت هنا برأيك أم برأى من خلقك ؟ قال
بل رأى من خلقنى قالت إذن لن يضيعنا فالمكان ليس به من مقومات الحياة شىء إلا
الهواء فلا ماء ولا خضره ولا زرع ( إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك
المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ) فقال ارزقهم واجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ( ربنا
اجعل هذا بلدا ( تنكير بلد ) آمنا ) ( ربنا اجعل هذا البلد ( تعريف بلد بأل ) آمنا
) ما معنى البلد الذى يقيم فيها الإنسان ؟ فالبلد لا بد للإنسان أن يضمن بها حياة
آمنة من الأحداث ومتوفرة فيها مقومات الحياة وبها المرافق التى تسعده فكل بلد يقيم
فيها قوم يختارونها إذا أمنوا فيها على أنفسهم من منغصات الحياة وبها مقومات
الحياة وفيها المرافق التى تسعده
( اجعل هذا بلدا آمنا ) كالبلاد الأخرى قدر مشترك بين أى
البلاد ) لكن هذا بيتك لا بد أن تعطيه أمن آخر أمن يتناسب مع نسبة البيت إليك
فالبلاد الأخرى تعطى أمن ( اجعل هذا البلد آمنا ) البلد الذى جعلته آمنا لأمن كل
الناس أعطاه أمن زائد ( ومن دخله كان آمنا ) فلما يقابل الفرد قاتل أبيه فى الحرم
فلا يؤذيه حتى يخرج من الحرم فيوجد أمنان :
1 ) أمن إقامة للجميع لكل الناس .
2 ) أمن خاص ببيت الله الحرام ( جعلنا هذا البيت حرما
آمنا ) فعندما حصل اعتداء على الحرم ودخل أناس نغصوا الحياة فالملاحدة استغلوا
الحادثة ماذا قالوا ؟ قالوا الله يقول ( ومن دخله كان آمنا ) فالناس دخلوا يصلوا
ويطوفوا فهددوهم بضرب النار والقتل وقعدوا مذلولين مدة طويلة فالكلام خطأ إنك لم
تفرق فى اسلوب الآداء بين شيئين :
فيه كلام خبرى كونى ( من دخله كان آمنا ) لا بد أن يؤمن
وكلام شرعى ( من دخله فأمنوه ) فخبر بمعنى أن الذى يدخله يصبح آمنا لا الذى يدخله
أنا طالب منكم أن تؤمنوه فإن أطعتمونى فأعطوه الأمان وإن لم تطيعونى فافعلوا ما
تريدون فعله فلا تأخذ الكلام الخبرى للكلام الكونى وتصدمه بالكلام الشرعى ( إقرأ
القرآن ) ( الطيبات للطيبين ) ( والخبيثات للخبيثين ) فلو أخذ الطيب إمرأة خبيثة
وواحدة خبيثة أخذت واحد طيب فالله يقول ( الطيبات للطيبين ) فهذا ليس كلاما كونيا
ليس خبرا أقوله هذا تشريعى يعنى أعطوا الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات لماذا
لجعل فى الأسرة تكافل فلما نأتى بإمرأة خبيثة مع واحد
طيب يقوم يزنها بالسيئات التى عملتها زمان إنما إذا كان خبيثا مثلها فيقول لها إنك
كنت كذا فتقول له إنك كنت كذا متخالفين فالحق سبحانه وتعالى فرض أشياء كونية لا
تختلف وخلق أشياء شرعية يا من يؤمن بشرع الله نفذ هذا الكلام فالرجل حينما يقول
لأولاده عند وداعهم يوصيهم هذا البيت أنا فاتحه للكريم أنا فاتحه لضيافة الناس معنى
ذلك أن الذى بعدك ماذا سيفعل ؟ فيقول لهم إن كنتم تحبونى اتركوه كما هو
( أمر تشريعى ) ( إن المتقين فى مقام أمين ) فأول شىء
مشروط فى السكن السكن : المكان الذى يسكن
فيه الإنسان ويستقر ويسكن فيه ليرتاح من حركة الحياة والعمل ويصبح آمنا ( إن المتقين
فى مقام أمين ) ( فى جنات وعيون ) بساتين فتوجد عند العربى الذى يعيش فى الصحراء
مسألة جميلة فى منطقة ما بها بساتين ( وعيون ) تمدها بالماء ( يلبسون من سندس
واستبرق ) السندس : الحرير الرقيق الشفاف والاستبرق : الحر ير الغليظ يعنى فيها من
كل ألوان الزينة ( متقابلين ) يعنى عندما يتقابلا فلا يعطى أحدهم جنب للآخر فالذى
يعطى جنب للآخر معناه أن العشرة ليست سليمة غير مرتاح لوجوده فيعطيه جنب .
( كذلك وزوجناهم بحور عين ) كلمة زوج استعملت فى اللغة
على طريقتين :
1 ) زوجته 2 )
زوجت به
ففى الزواج الصلة بين الرجل والمرأة زوجته فلانة إنما
زوجته بكذا جعلت واحد معه فى حياة واحدة فالرفقة التى بها حياة واحدة زوجته كذا
لها معنى وزوجته بكذا لها معنى آخر زوجته بكذا جعلت له زوجا يشاركه حياته من أى
شىء يرتاح إليه فكانت المسألة فى الدنيا المتعة الكبيرة التى كانت للناس عندما
يبلغون الرشد ( المرأة ) و / لذلك زين للناس حب الشهوات من النساء
فى الدنيا أما فى الآخرة لكم نفس الأمر هذا فسأعمل إنما
المسألة إيناس بما كنتم تعتبرونه نعمة لأن سأعطيكم فى الآخرة أشياء كنت محرمها فى
الدنيا لكن سأنقيها من الأشياء البغيضة وسأتركها لكم فى الدنيا ففى شرب الخمر
لشربها مظهر فى ذاتك وألقها فى فمك لا تطيل أمل مرورها فى منطقة الجوف كأن مرور
الخمر على منطقة الذوق متعب ليس فيه لذة فإنى سأعطى لهم ( خمرة لذة للشاربين )
فخمرة الدنيا تذهب بالعقل وتفسد حركة الإنسان إنما خمرة الآخرة فلا غول فيها يمتعهم
بما كانوا يعتقدون فى دنياهم أنها متعة لهم لكن فيها معاصى فأنا أنقى المتع (
الخمر ) من المعاصى التى كانت فى الدنيا وأعطيهم خمر الآخرة بدلا من خمر الدنيا
( من لبن لم يتغير طعمه ) وهم آخذين اللبن الذى يتغير
طعمه يأخذونه من المواشى ليحلبوها ثم يتركوها للمرعى فاللبن يبقى قليلا ليتغير
طعمه ( سأسقيهم لبن ) طعمه لا يتغير فقد خلع منها الشىء المنغص والماء عندما تأتى
بعض المياه عندهم فى بركة أو منطقة منخفضة ليشربوا منها فالماء يتغير ويأثم فنأتى
لكم بماء ( غير آسن ) فكل شىء فى الدنيا تعتبرونه متعة أنا سأعطيكم متع ليس فيها المصاطب
التى كانت فى الدنيا فخمر الدنيا ليس فيها لذة أما خمر الآخرة فيصبح بها لذة فخمر
الدنيا كانت تختال العقل أما خمر الآخرة فلا تختال العقل وتجعل عقل الإنسان سليم
فنقاها من الأشياء التى كانت تبغض فيها فالناس الذين لديهم نساء
( وزوجناهم بحور عين ) وأعطيناهم أزواج ( هم وأزواجهم ) فهو
يقول هل إمرأتى سوف تأتى لى فى الآخرة كما كانت لى فى الدنيا فامرأتك سوف نطهرها
لك من المتاعب التى كنت تراها
( عربا أترابا ) سنجملها لك ( إن أنشأنهن إنشاء ) (
أزواج مطهرة ) سوف يطهرها لك الله عز وجل فالأشياء التى نتمتع بها إن شاء الله فى
الجنة فيها أشياء فيها مسائل فى الدنيا لكن الله سبحانه وتعالى نقاها من المتاعب (
وزوجناهم بحور عين ) ولم يقل ( وزوجناهم حورا عين ) حتى لا نتذكر أن الحياة فى
الآخرة إنما الحياة فى الآخرة نعيم آخر نظام آخر فى الجنة سنأكل ولا نجوع ونشرب لا
عن ظمأ فليست هناك حاجة إليها إلا انبساط المؤمنين فى الجنة وكذلك فلم يقل
( وزوجناهم حورا عينا ) وقال ( زوجناهم بحور عين ) جعلنا
لهم حور عين ( زوجان ) فإن رأى متعة فى النظر إليها كما ينظر الإنسان لصديقه الذى
أحبه ويؤنس به حياة بها نظام آخر فلا تأخذوها مثل نظام الدنيا فهى ليست كذلك (
وزوجناهم ليس حورا عينا ) بل ( زوجناهم بحور عين ) أعطيناهم المتعة التى كانت عنده
فى الدنيا فينظر إليها فيقنع بها وإن لم يقنع بها ( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ
الأعين ) كذلك وزوجناهم بحور والحور : حوراء والحوراء التى عندها فى عينها بياض
وسواد فالسواد غالب على البياض والاثنين واسعين ( عيناها واسعة ) فلو نظرت إلى
فمها لوجدت عينها أوسع من فمها مرتين ( حور عين ) ( يدعون فيها بكل فاكهة ) يدعون
ويطلبون من الدعاء ( يدعون فيها ) يطلبون فالمسألة هى التفكه والفاكهة الذى يبقى
فى الآخر وهو إن أكل ( لحم طير مما يشتهون ) ( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) يلاحظ
أنهم يطلبون كل فاكهة وهل أحد فى الدنيا يأتى بكل أنواع الفاكهة ليأكلها بل يكتفى
بشىء واحد أو شيئين ( يدعون فيها بكل فاكهة ) فى الآخرة أحضر لى يا رب كل الفواكه
التى عندك فما هى البطن التى ستع كل الفاكهة وأى نفس تستقبل الأشياء المتماثلة
فتأكلها هذا دليل على فإن فهمت
( يدعون فيها بكل فاكهة ) فلو نظرت إلى التزين لقولها (
يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) آمنين
ماذا تعنى ؟ أى أن فاكهة الجنة فى الآخرة فلا يوجد بها
متاعب ولا سوء هضم ولا يجرى له أى شىء لماذا ؟ لأنه مخلوق على هيئة يأكل ولا يتغوط
لماذا ؟ لأنه متظاهر بالله أنه يأكل ولا يتغوط شىء عجيب كلمة آمنين : معناها ما
دام قال ( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ) بكل فاكهة : مخالف لنظام الدنيا فالناس
المؤمنين لا يأكلوا كل أنواع الفاكهة فالمؤمنين فى الجنة يأكلوا على كيفهم ولا
يخافون من المتاعب التى تحدث من التخمة .
( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا
الموتة الأولى ) لا يموتون فيها فالجنة ظرف فكيف يستثنى إلا الموتة الأولى ؟ وهل
الموتة الأولى نتيجة الجنة فما معنى الآية ( لا يذوقون فيها الموت ) الموت فى
الدنيا انتهى فى المرحلة الأولى لكن الموتة الأولى المكتوبة لهم حدثت فى الدنيا (
لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) نرى يذوقون الموت فالإذاقة منطقة الحواس
التى تدرك حلاوة الأشياء ومرارتها لكن هى الحاسة الشاملة لماذا ؟ لأن الذوق يعتمد
فيه الإنسان على مقومات الحياة ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) يأتى له بأحسن حاجة
لا اللمس بل الذوق ولذلك الحق سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن هذه المسألة ( أذقناها
لباس الجوع ) فالذوق كاللباس إن كل منطقة فى جسمه ذوقها كاللباس ( لا يذوقون فيها
الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ) ووقاهم عذاب الجحيم ما معناها ؟
وقاية من العذاب فى الأول
( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة ) لأن فيه تحلية وتخلية
فيه تحليه وفيه تدخلا كل ذلك فضلا من ربك فهذه المنطقة التى أخذ العلماء يتكلموا
فيها ؟ هل سندخل الجنة بعملنا أم بفضل الله ؟ ويختلفوا يقولوا بعملنا ( ادخلوا
الجنة بما كنتم تعملون ) / قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا
فى أية تقول بالفضل وأية تقول بالعمل فخصوم الإسلام
يصيدوا الأشياء التى بها أشياء زائدة ليبينوا لنا أن كلام الله فى القرآن متناقض ؟
فيقولوا هل هى بالفضل أم بالعمل ؟ فتقول له ساعة تأتى وتطلب من ابنك أن يجد ويذاكر
وتأتى له بالمدرسين هل تفعل ذلك لصالحك أنت أم لصالحه هو ؟ إنما تكلفه بأشياء لا
تعود عليك بخير بل تعود عليه بالخير فالله الذى خلق الإنسان الخليفة فى الأرض خلق
له قبل أن يخلقه وبكل صفات الكمال لله خلق هذا الخلق ويريد منك أن تعبده وإياك أن
تتذكر أنك بعبادتك ستصل للعرش لأنه موجود قبل أن توجد وبصفات الكمال كلها خلقك
وأوجدك أيها الإنسان فعبادتك لا تعطيه شىء لم يكن موجودا عنده بل لماذا يقول لك
سأتركك لصالحك أنت لأنك خلقه وصنعته وما دام أنت خلقته وصنعته يجعلك فى شرف النسبة
إليه دائما وتبقى حسن فلما تعمل عمل سيعود عليك ولا يعود عليه ولذلك قلنا فى
الحديث القدسى ( لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم اجتمعوا فى صعيد واحد وكانوا على
أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملكى شيئا وكانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك من
ملكى شيئا فلو كل واحد سألنى مسألته وأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندى إلا كمغرس
إبرة إذا غمسها أحدكم فى بحر )
وذلك لأنى جواد واجد ماجد عطائى كلام وعذابى كلام إنما
إذا أردت شيئا أن أقول له كن فيكون فكل تكليف من الله لنا لا يعود على الله بشىء
إنما يعود على الإنسان بذاته فكان يجب أن الإنسان هو الذى يدفع الثمن لا الله الذى
سوف يعطيك الثمن بعد ذلك ؟ فالتشريع من الله للإنسان على أن يثاب على طاعة تعود
عليك أنت ولا يعود شىء منها عليه فمن محض الفضل من الله وإلا فالعقل يقول لك لا
فتشريع الثواب على الطاعة فى الأشياء التى لا تعود على الله بشىء وتعود على
الإنسان بالشىء فهذا التشريع فضل من الله وفى آية أخرى ( قل بفضل الله وبرحمته
فليفرحوا خير مما يجمعون ) ( فضلك من ربك ذلك هو الفوز العظيم ) فما هى هذه النعمة
الكبيرة ( الفوز العظيم ) أو العظمة التى أعمل شيئا لكى ينفعنى وبعد ذلك أثاب عليه
فى الآخرة فأنا لو كنت أثاب على عمل لكان حسنا إنما أثاب على شىء هو نافع لى وأثاب
عليه مرة أخرى ( هذا فوز عظيم ) ثم يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين نعمته
عليه فيقول له ( إنما يسرناه بلسانك ) إذا رأيت ( ه ) ضمير الغيبة فافهم أنه عائد
على القرآن فكأنه إذا ذكر ضمير الغيبة لا ينصرف إلا إلى القرآن ( إنما يسرناه ) أى
الكتاب ونحن نعرف أن المرجع للضمير هو الذى يعين لكن عندما يأتى ضمير الغيبة فى
محض التكليف لا ينصرف إلا إلى القرآن ( إنما يسرناه بلسانك ) وما دام بلسانك (
مداد لغوى ) الذى هو القرآن بلغة عربية بلسانك الذى كنت تنطق به ( إنما يسرناه
بلسانك لعلهم يتذكرون ) بلسانك فقط أم بلسانهم أيضا ؟ بلسانك كمبلغ وبلسانهم
كمبلغين ستتكلم الكلام بسهولة والأمثال منك ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه )
( إنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) ( فارتقب إنهم مرتقبون ) ارتقب : انتظر
انتظارا من يرقب شيئا ينتظره فما الذى يرتقبه هو ؟ وماذا يرتقبون هم ؟ هم مناهضون
لدعوته وكل ما يريد أن يضىء النور ويبينه فإن قومه يقومون بإطفائها وهو حريص على
ذلك رغم الايذاء والمتاعب والسخرية والتهزىء والاتهام الكاذب بالجنون والسحر
والكهانة والشعر فهو مصر على دعوته ويحزن لو هم لم يسمعوا كلامه فيقول له الله (
لا تحزن ) فنحن الذين نحاسب ( ما عليك إلا البلاغ ) ( ولقد نعلم أنه ليحزنك الذى
يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) أنت أعلى عندهم من أن
تكذب فكلمة ( ارتقب ) ذكرت فى السورة مرتين :
1 ) ( فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين ) اللهم اجعل
وطأتك على مضر واجعل عليهم سنين كسنين يوسف أى أدبهم ثم ظهر الدخان المبين وجاء
لهم الجدب وأخذوا يأكلون الجيف والشعر الممتلىء بالدم فذهبوا لرسول الله وقالوا (
ادع الله أن يرفع عنا العذاب ) وإننا سوف نؤمن لك
قال سنرفعها ولكن لا يؤمنوا بك كذلك / فإما نرينك بعض
الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون
( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) فارتقب ما يحل
بهم لأنهم يرتكبون منك ما يريحهم منك وأنك تنهى عن هذه الدعوة فتنتهى من تسفيه
الأحلام ويعلمنا الله الجدل الحق فقل لخصومك أنتم تتربصون بنا ماذا ؟ مرتقبين ماذا
؟ إما أن نموت شهداء أو ننتصر عليكم فإن انتصرنا عليكم فمنهج الله يسود وإن متنا
سنموت شهداء ونبقى أحياء عند الله ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) فنحن
نتربص بكم ( أن يعذبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ) إن تربصنا بكم شر لكم وتربصكم لنا خير لنا ( لن يصيبنا إلا ما
كتب الله لنا ) .
Comments
Post a Comment