تفسير سورة الجاثية للشعراوى

تفسير سورة الجاثية للشعراوى
بسم الله الرحمن الرحيم
( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم )
حم  : من الحروف المقطعة ولقد استأثر الله بعلمه بها لأنه يريد أن يتعبدنا بالغيب كما تعبدنا بالمشهد فالقرآن معناه ظاهر فتعبدنا بأمره لنفهمه لأن كل الايمان موضوعه الغيب أما المشهد فلا يقول له آمنت فنسوى الغيب ( حم والكتاب المبين ) الظاهر والكتاب المبين الظاهر فيفيض الله على المؤمن اشراقه بالايمان فيسوى بين العباد فهو استطراق وجودى وحيل عقلية فكل شىء فيه غيب ومشهد ( حم ) : غيب   ( الكتاب المبين ) : مشهد فآيات القرآن مبنية على الوصل دائما فمعنى الوصل ( مدهامتان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان ) فهى مبنية على الوصل فآخر آية فى القرآن ( من الجنة والناس ) موصولة ( ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ) فى أول القرآن الكريم فيسمونه بالحل المرتحل فآيات القرآن مبنية على الوصل فلا بد من قول ( ح ) و ( م ) لوحدها ونقف عليها فكل شىء له علة كأسنان المفتاح فالحق سبحانه وتعالى فكل شىء له حكمة نفهمها ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم لأنه يوجد أناس سيكذبون القرآن فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يغلب فكل شىء عزيز وحكيم ( إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين ) فالسموات والأرض ظرف فيه فخذ العظمة من التكوين الإلهى فيجمعك بشىء متفق ثم يفرقك عن غيرك بشىء مختلف فالذى يعيش فى خط الاستواء ما هى حرارته ؟ ( 37 درجة ) والذى يعيش فى الاسكيمو حرارته ( 37 درجة ) كيف لا يحدث الاختلاف بين درجة حرارة خط الاستواء ودرجة حرارة الاسكيمو ؟
فدرجة حرارة جسم الانسان العادى ( 37 درجة ) فالانسان فى خط الاستواء يعيش فى منطقة حارة والذى يعيش فى الاسكيمو يعيش فى منطقة باردة فلا تؤثر فيه .
الاستطراق : اجتماع شيئين معا فالطبيعة تكاد تكون واحدة فلا بد من الاستطراق فى بعضهما البعض فالأعلى يعطى الأدنى حتى يصبحوا متساويين فإذا زادت درجة الحرارة عن ( 40 درجة ) يموت الانسان فالكبد لا يؤدى مهمته إلا إذا كانت درجة الحرارة ( 40 ) درجة فالعين إذا زادت عن ( 9 درجة ) تنفقع فمن الذى فعل كل هذه التكليفات .
( الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى ) وفى جسم واحد فسائل الحياة فى الجسم ( الدم ) ويوجد فى مجاريه ( الشرايين والأوردة ) له قوام خاص فله سيولة لكى يجرى فى الشرايين والأوردة فلو تجلط قليلا أو خرج خارج الجسم إذا استمر فى سيولته لا يبرأ الجرح فلا بد من تخثر الدم ( تجلط الدم ) ( ألا يعلم من خلق ) فالانسان لا بد أن يتعجب فى صنع الله عز وجل فلا بد من وجود وسيلة للايمان بأن تتعجب من صنع الله العزيز الحكيم وتفرق بين شىء حلال وحرام كالفقهاء وتفرق بين آيات كونية فلا بد من قراءة ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات مختلفا ألوانه ) فخلقنا الزرع فى جسم النبات
( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) عالم الجماد .
( ومن الناس والدواب ) فيوجد انسان وحيوان ونبات وجماد فهل قال الله بعد ذلك حكم شرعى ؟ ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فالعلماء فى ثمرات الأرض فالجماد ينظر فى الجماد وكذلك الانسان والحيوان والنبات كل فى مجال تخصصه .
فليس العلماء المختصين بالأمور الشرعية وإنما بالأمور العلمية لأن علماء الشريعة يستدلون على وجود الواحد الأحد ( الله عز وجل ) بالآيات الكونية فالآيات الكونية هى الرصيد فالله فى القرآن يعطينا كل هذه الأمثال لماذا ؟ لأن خذ من آيات الله الكونية دليل على وجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلا بد من الايمان بصفات الكمال والقدرة فعند التكليف من الله عز وجل لمصلحة الانسان فلا يوجد علم فى الحياة مهضوم فى الاسلام ( ومن آياته الليل والنهار ) فالليل ظلمة والنهار نور فالنهار والليل كل منهما له مهمة فمهمة النهار السعى فى الأرض ومهمة الليل السكون والراحة ولكنهما غير متعارضان فالظلمة ليست معادية للنور فالظلمة معينة للنور والنور معين للظلمة لماذا ؟ لأن النهار فيه حركة حياة واليل فيه سكون وراحة وهدوء ويخدم حركة النهار ( قل أريتم لو أن الله جعل عليكم اليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ) لاستمرار حركة الحياة فإن اصطبرت بالأقوى منك حطمك وإن اصطبرت بأضعف منك حطمته فمن الآيات وجود الليل والنهار فالأدق التزين فى الأية
( فقل أفلا تسمعون ) فوجود الليل لا توجد حاسة واحدة إلا السماع ( الأذن ) وفى النهار
( قل أريتم لو أن الله جعل عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله بأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ) فهذا الآداء العالى فانظ  للمسألة من حكمته تعالى فالشىء عندما يقابل الآخر يضاده فهذا مساهد وليس الضد ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) ففى ظاهر الأمر أنهما مكتقابلان فهما متساويان غير متعاندان فالحكم عندما أخذ عمر بن الخطاب رضى الله عنه أحد الأشخاص فى صلاة الفجر ولم يذهب للمسجد للصلاة نهره فالذى يحرس فى النهار لا يحرس بالليل والعكس صحيح ( وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى ) فكل شىء له مهمة فلا بد من المساهمة فى الآيات الكونية .
( إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين ) ( وفى خلقكم ) فالوجود الأعلى ليس خارجا عنك وإنما فى نفسك ( وفى أنفسكم أفلا تبصرون ) ( وفى خلقكم وما يبث من دابة لآيات لقوم يوقنون ) فالخلق : ايجاد شىء كان معدوما ويطلق ليس على الحدث وإنما على الذى يحدث ( هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه ) فالخلق يطلق مرة على الحدث ومرة أخرى على نتيجة الحدث فالخلق له مراحل فالوجود من العدم فسوى له أدم عليه السلام من طين الأرض ثم نفخ فيه من روحه فخلق آدم فجعل بقية النسل بالتزاوج الذكر والأنثى ( وما يبث من دابة ) يبث : ينشر ( وبث فيها رجالا كثيرا ونساء ) فالانتشار بالذرية فالانسان له خلق وله مرحلتين فيوجد شىء فى اللغة ( الاحتباك ) باب من أبواب البيان والبلاغة ( لقد كان لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة ) فالمؤمن يقاتل فى سبيل الله والكافر يقاتل فى سبيل الشيطان فالأول مؤمن والأخر كافر
( فئة مؤمنة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل فى سبيل الشيطان ) فحذف من الأول مؤمنا ودل عليها بالمقابل كافرة ؟
( وفى خلقكم وما بث من دابة لآيات لقوم يوقنون ) خلقكم : نسلكم  ( ما بث من دابة ) وفى الخلق به عجائب كثيرة فأهمية أن يوجد فى الخلق أشياء متفق الانسان مع غيره فيها وأشياء يختلف فيها عن الناس حسب بيئاتهم فلا بد للانسان أن يتكيف مع بيئته فاختلاف الألسنة والألوان دليل على عظمة خلق الله عز وجل للانسان فهذه طلاقة قدرة فأوجد أدم بدون أب ولا أم وأوجد عيسى من أم بلا أب وأوجد الناس من أب وأم وأوجد حواء من ضلع آدم ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( ويجعل من يشاء عقيما ) فزكريا عندما سأل الله عز وجل الولد ( هب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث آل يعقوب واجعله رب رضيا ) ( وأمرأتى عاقر فهب لى من لدنك وليا ) ( يحيى عليه السلام ) فوسائل الانجاب ليست بيد البشر بل بيد الله عز وجل ( كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) فالله عز وجل عندما يجعل البث والتكاثر نعرفه عن طريق التزاوج .
( وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ) ( إن فى السموات والرض لآيات للمؤمنين ) البقين : علم قضية تستقر فى القلب ولا تطفوا للعقل لتناقش من جديد والتى تكون العقيدة فالشىء الذى لم يعقد فى الفلب بحيث يتطلب بحثا عقليا ثانيا لاثباته لا يسمى يقينا بل يسمى علما فوسائل الادراك تستقبل المحسات من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والعقل يعرضها فإذا صح الشىء استقر فى القلب وأصبح مبدئا يسير عليه الانتسان فى حياته فلا يخالفه ولا يطفوا ليناقش من جديد هل هو حق أم غير حق ؟
وله ( 3 ) مراحل     1 ) علم يقين          2 ) عين يقين     3 ) حق يقين
علم اليقين  : أن يخبرك من تصدقه بأمر عقلك غير مشغول به كقضايا العلم والقضايا الاجتماعية فإذا انتقل لمرحلة أخرى بحيث يصبح بها أخبار من الغيب ولكن مشاهدة الشىء بالعين المجردة ( عين اليقين ) فإن ارتقى ليس للعين فقط بل للتجريب فيه ( حق يقين ) ولننتقل باليقين علم حقيقى فى سورتين من القرآن التكاثر ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لتسئلن يومئذ  عن النعيم ) ( إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة ) ( فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب  العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم وما توعدون فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون فإما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وإما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين وإما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ) .
( واختلاف الليل والنهار ) الليل والنهار ظرفان لحدث فكل حدث يتطلب زمان ومكان ولكن مختلفين فالليل ظلمة والنهار نور فالظلمة تطمس حقائق الأشياء والنور يظهرها ومختلفين فى الطول والقصر ففى الصيف النهار طويل والليل قصير أما فى الشتاء فالنهار قصير قصير والليل طويل .
فالاختلاف له حكمة فإذا تم النظر لليل والنهار وجدتهما مع بعضهما البعض لأنه حينما يكون نهار فى منطقة ما يكون ليلا فى منطقة أخرى وعندما يكون ليلا فى منطقة نا يكون نهارا فى منطقة أخرى فكل لحظة من لحظات الكون فيه ليل يبدأ ونهار ينتهى فالابتداء بالليل والنهار لا ينتهى أبدا فالحق سبحانه وتعالى حينما فرض على المسلمين فريضة الصلاة ( 5 ) مرات فى اليوم حيث أن أول فرض الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر ) فكل وقت من الأوقات به كل الأوقات فكأن الله يعبد فى الوقت الواحد بجميع الأوقات فى الكون كله فألفاظ الآذان دائرة فى سمع الدنيا كلها لكل الأوقات فى جميع الأزمنة والأمكنة فإذا ما تم النظرفى الاختلاف أننا نعرفها كلها فهى قضية دائمة .
فالشمس عندما تشرق فى مكان تغرب فى مكان آخر وعندما تغرب فى مكان تشرق فى مكان آخر ( رب المشرقين ورب المغربين ) فكل شرق عنده غرب وكل غرب عنده شرق وإذا نظر لامتداد الزمان بجزيئاته الدقيقة فكل ثانية نجد الشمس مشرقة عند جماعة ومغربة عند جماعة أخرى والعكس صحيح فيوجد الكثير من المشارق والمغارب .
فالليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل فلو كانت الأرض مسطحة لكانت الشمس موازية للأرض فيوجد إما نهار بدون ليل أو ليل بدون نهار فلا بد أن تكون الأرض مفلطحة عند القطبين ومنبعجة عند خط الاستواء لتعاقب الليل والنهار فالذى يتدبر فى الآيات الكونية فالذى يتدبر إذا أراد خشوعا لقدرة الحق سبحانه وتعالى فالارتقاء فى الاستنباط والفهم .
( لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون )
( لا الليل سابق النهار ) هل هو نفى أم إثبات ؟ إنه نفى فكان العرب يعتقدون أن تأريخ المناسك بالقمر فالشمس تعطى الأيام والقمر يعطى الشهور فرمضان يثبت بليله لا بنهاره
( واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء ) الماديات والمعنويات فالماديات المطر الذى يستعين به الانسان فى الشرب والزراعة والمعنويات الكتب الربانية ( الزبور / التوراة / الانجيل / القرآن ) .
( أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) ( وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ) فالسماء مقر الماء الصالح للاستعمال فى الشرب والزراعة إنما الماء أصله فى الأرض فالأرض ثلاثة أرباعها ماء وربعها يابسة .
( وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) ( وتصريف الرياح )
التصريف : التغيير فاختلاف الريح فى هبوبها تجاه الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب واختلاف هبوبها فى التعمير والتدمير فالريح مفردة : تدمير  الرياح جمع  : تعمير
( تدمر كل شىء بأمر ربها ) لأنها آتية من جهة واحدة فالرياح من جميع الاتجاهات يحدث التوازن ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها وتصريف الرياح لآيات لقوم يعقلون ) .
البقرة ( إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما أنزل الله وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض ) فالخلق حدث الايجاد من العدم ويطلق على المخلوق فيوجد ( فى السموات ) و  فى خلق السموات
( هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه ) فلم يأت بالفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس ) ( والفلك التى تجرى فى البحر والسماء المسخر بين السماء والأرض ) فلماذا لم يوجد فى هذه الآية لأن الفلك الذى يجرى فى البحر والسماء المسخر بين السماء والأرض ) تغنى عن ( تصريف الرياح ) لأن الفلك ( السفن ) تسير فى البحار بالرياح .
( وتصريف الرياح أيات لقوم يعقلون ) ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأى صعيد بعد الله وآياته يؤمنون ) ( وآيات للموقنين ) فيوجد ( 3 ) مقاطع عاقل ومؤمن وموقن فالعقل أدنى مرتبة فى فهم حقائق الكون ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) .
فالحق : الشىء الثابت الذى لا يتغير ومقابله الباطل قضيته مزورة وكاذبة والحق قضية صادقة وصحيحة .
( الشمس والقمر بحسبان ) مخلوقان لحساب الانسان فعلو الباطل على الحق شهادة للحق لأن الباطل عندما يطغى ويعادى الناس فتتلهف الناس للحق فالكفر مضاد الايمان فالكفر عندما يعادى الايمان فالاسلام انتشر فى الجزيرة العربية بسبب الاعجاز القرآنى ( وجعل الله كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا ) ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أو زبد مثله ) فعند صهر المعادن يخرج الزبد ( الريم ) ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ) فالماء العذب ينزل من الجبال على الماء المالح فى البحار والمحيطات فمصبات الأنهار العذبة تصب فى البحار المالحة والمالح لا يصب فى العذب فتتم عملية التكيف فالآيات إما أن تكون معجزة أو حاملة للأحكام أو كونية فالاستقبال فى الأرض بجانب وجود الماء العذب الذى ينزل من الأعلى للأسفل إلا بعد أن يملأ الفارغ ( فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) ( ويل لكل أفاك أثيم ) فالعبودية لله عز وجل على مرحلتين  1 ) عبادة العبد لله رب العالمين  2 ) عبادة بشر لبشر ( مذموم ) فالعبودية تكون ذليلة عندما تكون من بشر لبشر وتكون عظيمة عندما تكون من العبد لله رب العالمين ( ويل لكل أفاك أثيم ) .
الأفاك : الذى يتعمد الكذب لأنه يقلب الحقائق ( والمؤتفكتة أهوى ) فحادثة الافك التى حدثت للسيدة عائشة رضى الله عنها ولقد برأها الله عز وجل منها بقدرته .
( ويل لكل أفاك أثيم ) الويل : الهلاك الذى لا نجاة بعده ولا مفر منه ويختلف الويل باختلاف المهدد به أو المنذر به فيتحدد الويل بقدرة الله عز وجل فالويل من كل مهدد يتناسب بطشه وفتكه بقوة الله عز وجل .
( ويل لكل أفاك أثيم ) الأفاك : الكذاب الذى يقلب الحقائق عمدا بهدف ما فى نفسه ليطغى وهو الصرف عن الحق فالحق الذى سيصرفه سيضر جمهرة من الناس فالشر متعدى فلا بد له من عقوبة تناسب الشر الذى ارتكبه لجميع الخلق .
( ويل لكل أفاك أثيم ) الأثيم المبالغ فى الاثم فيوجد آثم وأثيم وعالم وعليم فالعليم فى ذاته العلم ( يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ) يصر : يلتزم مع سبق الاصرار فالاستكبار يأتى له بما كان يعتقد أنه دونه فاعتدى على الحق فى ذاته وعلى المحق ثم يصر مستكبرا فالأمة العربية أمة فصاحة وبلاغة ولها اسلوب أخاذ فلما يأتى لهم القرآن فمعناه لزوم الايمان بالقرآن فيوجد معرض للكلمة عند العرب ( سوق عكاظ ) فقبل الأصنام كانت الكعبة المشرفة لها قداسة .
( وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) إن كان القرآن حق فاهدنى إليه لكى أنتفع به ( قالوا ) المستكبرين المعاندين
( إذا كان هذا هو الحق فامطر علينا حجارة من السماء ) أى عذبنا فهذا حمق وأعداء لله فى ذاته ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) بمقاييس عظمتهم
( الثراء والسيادة والجاه ) فقبل ذلك كنتم تتحدثون عن رسول الله ( ص ) بصدقه وأمانته بدليل أنكم حكمتموه فى أمر الكعبة المشرفة بوضع الحجر الأسود بها فيقولون على الرسول صلى الله عليه وسلم عدة صفات كاذبة منها ( الكذاب / الساحر / الشاعر ) ولما فتر الوحى ولم ينزل قليلا قالوا ( إن رب محمد قد قالاه أى تركه ) فلماذا عرفتم الأن أن له رب فبلكفر وجد الرب وبالايمان لم يوجد الرب .
( ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ) فمعنى التبشير : أن تلقى لرجل خبرا يسره قبل أوانه لأن البشر يظهر فى الوجه فكيف بشره بعذاب ؟ فهذا تهكم .
( وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذه هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) فيوجد عذاب أليم وعذاب مهين وعذاب عظيم فالعذاب الأليم ليس المهين فالأليم يعذب المادة والمهين يعذب النفس وكرامتها فإذا تم النظر للعذاب الأليم عذاب مادى والعذاب العظيم يبالغ فى تعظيم عذاب المادة فتعذيب النفس وكرامتها تعذيب مهين وهزوا فسمى التهزىء هزوا .
( وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ) فالعلم ( كأن لم يسمعها ) فكيف أتى بالعلم يوجد ذروة اللجاج والعباد تغليب الحكم على الأشياء ثم يعيد السائل على نفسه فنصر المؤمنين على الكافرين فى موقعة بدر فقال الله عز وجل ( يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) فهذا حق ( إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة )
الجنة : صدور حركة عن غير طريق العقل فالشىء المار على العقل تكون مسيئة جدا فالمجنون يصدر حركات بجوارحه دون أن تمر على عقله ليتفكر فيها فالمقاييس عنده خاطئة فالعاقل مأخوذة من العقال اعقلوا فى التفكير فكبريائه يمنعه من التفكر فى خلق الله عز وجل  فالمستكبرين الذين أرادوا ألا تشيع كلمة الحق على لسان رسول الله ( ص ) وصدق القرآن ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) فكأنهم واثقون أنهم لو سمعوا سيأخذهم القرآن بأسره وليس السماع ( والغوا فيه ) فلم يكونوا يعتقدون أن القرآن يأسر الألباب والعقول ويؤثر فيها ما قالوا لهم ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) فالقرآن له التأثير فى النفس الفطرية التى ليست متعلقة بنوازع الشر أو بنوازع الارتفاع بانفلات النفس من جنود الحق ( فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك ) فكلمة وراء فى اللغة لها معان متعددة فمعنى وراء خلف عند سماعها ضد أمام لكن استعمالها فى القرآن لها معان متعددة منها ( أنزلنا فنبذوه وراء ظهورهم ) وراء ظهورهم متفقة مع المعنى العام
( ورائهم ظهريا )
( من ورائه جهنم ) فهل جهنم وراءه أم أمامه ؟
يطلق الوراء على كل شىء فيه شىء وراءه ومستقبل الزمن لم يأت بعد بدليل آية الكهف
( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) وحجاب العلم إما زمن وإما مكان فنحن نوجد فى مكان واحد ولكن الذى لا يوجد فى المكان فهو فى مكان وزمان غيب فهو محجوب بحجاب الكلمة وعند الحديث عن شىء فى المستقبل ( حجاب الزمان ) والماضى ( حجاب الحقائق ) فالحقائق ( 3 ) إن كان زمنا ماضيا فحجاب الزمن الماضى وإن كان زمنا حاضرا نعرفه وإما إن كان فى المستقبل ( حجاب الزمن المستقبلى ) فعلم الحق عز وجل يخرق كل الحجب فيأتى بالماضى للحاضر والحاضر للمستقبل ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم إذ كنت لديهم إذ يختصمون ) فجاء بالماضى وجعله حاضرا فالمستقبل حجاب الزمن المستقبلى لكن الله عز وجل يخلقه كيف ؟ ألم يقل الحق بعد أن انتصر فارس على الروم فكانوا معاصرين لظهور الاسلام فحضارتى فارس والروم ففارس ليست متدينة بل مجوسية والروم يدينون بالله ويؤمنوا بالرسل فكان من حظ الاسلام ورسول الله ( ص ) فإن الروم سينتصرون على الفرس لأن الروم لها علاقة بالسماء إيمان بالله ورسوله فأنزل الله قوله ( ألم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين ) فالسين للاستقبال والبضع من 6 : 9 فكيف يوجد رجل فى جزيرة العرب يحكم على معركة بعد ( 7 سنوات ) ويقول الروم سينصرون فلو قال أنهم سينتصرون غدا فسنعرف وجود المدد ويعلنها قرآن فى كل صلاة ويعرفوا الخصوم والأعداء فالذى قال له ذلك قال صدقا وحقا الحق عز وجل وأبوبكر الصديق رضى الله عنه يرهن عليها ثقة فى أنها واقعة فرسول الله ( ص ) أعلنها صدقا فمن الذى يستطيع الحكم على نتيجة معركة تحدث بعد 7
سنوات إلا القرآن الكريم مما يؤكد الاعجاز القرآنى فالله عز وجل خرق حق زمن المستقبل ومن العجيب أن نصر الروم على الفرس نصر المؤمنين على الكفار فى موقعة بدر فقال الله عز وجل ( يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) فهذا خرق لحجاب الزمن المستقبلى
( ومن وراءه جهنم ) يدفع عنهم شر ما هم فيه .
( من وراءه جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ) ما كسبوه فى الماضى من إبادة الأصنام من تأليه خلق الله فالذى عبدوهم لا يضروا ولا ينفعوا بدليل أنه عندما حدث شىء للصنم يجمعوا أنفسهم لجبر الصنم فالصنم لأنهم يريدون أن يقنعوا أنفسهم بالتدين الخطأ بغير مكلف ( ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ) يوجد كسبوا واكتسبوا ( اكتسبوا ) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت / اكتسبت فيها افتعال لأن الذى يعمل المعصية مكتسب وليس كاسب مكتسب يتعمد الخطيئة ( ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ) ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) وكسبوا فعملية الشر مريحة بالنسبة لهم فعملية الشر تتعب الذى يبدأ حياته بها فحين يعمل المعصية يشعر بالندم بعد أن يفعلها فلا يعتبرها كسبا بل اكتسابا ( ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب أليم ) الذين عبدوهم من دون الله بدليل عندما يقعون فى المشكلة يقول يارب بفطرته فلماذا قال الأن يا رب ؟
( هذا هدى ) منهج الله الاسلام الذى يخلصنا من مساوىء الأشياء .
الهدى : الطريق المستقيم الموصل للغاية والهدف بغير ادراج نفس فى معصية يؤديها
( أولئك على هدى من ربهم فلينظر الانسان نفسه للمنهج الربانى حيث يجعلنا نضغط على أنفسنا لعمل الشىء فكأن المنهج الاسلامى الطريق المتبع لبلوغ الهدف المنشود والذى يحمل طريق الخير فهم الذين يركبون الهدى والهدى الذين يوصلهم للطريق الصحيح للايمان بالله ورسوله ( هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم ) فهو رب وإن لم يقولوا فعطاء الربوبية وعطاء الألوهية فعطاء الربوبية عطاء وعطاء الألوهية تكليف .
( هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ) العذاب : ايلام الحى فكلمة عذاب حلت اشكالات كبيرة منها عند اجتماع رجال القضاة والمستشارين فلا توجد آية فيها رجم إنما يوجد بها جلد فيقول الله عز وجل عن الأمة لهن نصف ما علي المحصنات من العذاب فالذى يصف الجلد وليس الرجم فالرجم اماتة فعندما تحدث الله عز وجل عن الهدهد مع سيدنا سليمان عليه السلام وسليمان جلس فى مجلسه ومعه الجنود من الرياح والملائكة والجن والطير فنظر فلم يجد الهدهد فوجده قال ( ما الذى لا أرى الهدهد لأعذبنه شديدا أو لأذبحنه أو ليأتنى بسلطان مبين ) فالعذاب ليس الاماتة .
( هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم ) ستروها والستر لا يكون إلا لموجود ثم يستر لأن الايمان أصله فى القلب فالكفر يستر الايمان ( والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ) عذاب قوى ومؤلم .
( الله الذى سخر لكم البحر ) التسخير : أن المسخر يكون لخدمة المسخر له فبنى اسرائيل يقتلون الأطفال فقال الله عز وجل لأم موسى ( فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فوارد الرحمن لا يشاركه شيطان .
( إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل )
فالله عز وجل أمر لكل عاقل ( أذنت لربها ) .
( الله الذى سخر لكم البحر ) علة التسخير الواضح : اصطياد السمك ( تأكلون لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) ( الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره )
( ويصنع الفلك بأعيننا ) لسيدنا نوح عليه السلام ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) ( وحملناه على ذات ألواح ودسر
الألواح  : الخشب    الدسر : الحبال المربوطة بالخشب فكيف تسير الفلك فى البحر فلا بد من وجود أشياء فى التسخير  1 ) سيولة الماء وميوعته حيث أن الهواء يضغط على أشرعة الفلك فى اتجاه معين فيسير الفلك فى الاتجاه المضاد حيث تكون وجهتها حيث استوت السفينة على جبل الجودى .
2 ) لا يوجد للماء لزوجة لأن السيولة لا بد أن تكون لها قدر لأن كثافته أقل فالكثافة عندما تكون قليلة يسقط المعدن فى الماء وعندما تكون الكثافة كبيرة يطفو المعدن على سطح الماء ( الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ( بسم الله مجرها ومرسها ) ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) بالنسبة للمواصلات .
( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه ) فقد نقلنا من البحر للسموات والأرض ( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) .
( وسخر لكم ما فى السموات والأرض جميعا منه إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) فالتفكير ليس الحكم على الأشياء بسطحية ولكن بالتعمق فيها .
( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا من يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) .
( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه إن فى ذلك لايات لقوم يتفكرون فبعد الكلام عن البحر ( الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) حيث انتقل لتسخير آخر لآيات الله فى السموات والأرض ( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض ) فالتسخير : تكليف الشىء تكليفا قهريا ليكون فى خدمة الانسان حتى جوارح النفس الانسانية سخرها الله لتأتمر بمراد الانسان ذاته فكل ما يريد الانسان فعله الجوارح تقوم بتنفيذه فاللسان ينطق بالحق ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) للمؤمن أما الكافر فيقول ( العياذ بالله ) ( العين تنظر لما أحل الله ) المؤمن والكافر ينظر إلى ما حرم الله واليد تضرب أحدا وتواسى آخر والرجل تسعى لطريق الخير للمؤمن
وطريق الشر للكافر والمنافق فقال الله عز وجل للجوارح أطيعى عبدى فيما أراد لأنى أريد أن أحاسبه على أفعاله يوم القيامة بعد أن أعطيه الاختيار فى الدنيا من حيث يفعل ولا يفعل إنما لا أريد قالبا يخضع وإنما أريد قلوبا تخشع كما أسس الله عز وجل كونه على القهر فى الماديات أراد أن يسبب الانسان بالحب فى الاختيارات  من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
فالسيف فى الاسلام كان حامى لعقائد الناس وليس السيف للقتال لمجرد القتال بل كان لاعلاء كلمة الله فى الأرض ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا ) فقال الله عز وجل للسموات والأرض والبحار اخدمى ابن آدم فلقد خلقت من أجل الانسان ولقد خلق الله عز وجل الانسان من أجله سبحانه وتعالى فلماذا تشهد الجوارح على صاحبها يوم القيامة ؟ فقالت كنت مقهورة فى الدنيا أطيع ابن آدم فى مراده خيرا أو شرا كان بارادته فلم يعد له ارادة فى الآخرة ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) فإذا أراد الله شيئا أن يقول له كن فيكون فهل العضلات التى تحركها أيها الانسان للقيام هل تستطيع تحديد مكانها فى جسدك ؟ فما هى الأعضاء والجوارح المستخدمة فى عملية القيام فإذا كان الانسان مؤتمنا على عمل الجوارح فى الدنيا فإنه مسئول عن عمل جوارحه فى الآخرة سواء بالجنة والنعيم أو بالنار والعذاب .
( سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض ) فيوجد فى السموات من جهة العلو الشمس والقمر والنجوم والسحاب الذى ينزل المطر والثلوج .
( وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) ( وإنا لموسعون ) من حيث وجود الأجرام الكونية
( وعلامات وبالنجم هم يهتدون فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) فيوجد أشياء فى عالم الملكوت لا يدركها الانسان فالمخلوقات كالشمس والقمر والنجوم والسحاب كل منها مخلوق له وظيفة معينة يؤديها فى حركة الحياة ( وسخر لكم مافى السموات ) ( وما فى الأرض ) الجماد والنبات ( الزراعة ) والحيوان والانسان حيث أن كل من النبات والحيوان مسخرين للانسان فى طعامه أما الجماد فمسخر للانسان فى صناعاته المختلفة لتعمير الحياة .
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض ) فأتى بالثمار ثم الجبال لأن الجبال بها الثروات المعدنية والأحجار الكريمة فالذى يخدم الانسان أكثر النبات والحيوان فإن النبات أساس الحياة ( الزراعة ) .
 ( وجعل فيها رواسى وقدر فيها أقواتها ) الأقوات : الأطعمة الآتية من النبات كالخضروات والفواكه من الأرض المخصبة عن طريق الزراعة ( ومما ننزله إلا بقدر معلوم ) فإذا كانت الجبال بها الثروات المعدنية والأحجار الكريمة  .
( تبارك الله أحسن الخالقين ) ففى آيات الله فى الآرض منها النبات والحيوان لخدمة الانسان فالزهور لراحة النفس وصفائها فإن ألوان الزهور يريح النفس ويعطيها الصفاء فعملية تلقيح الزهور بواسطة النحل لانتاج العسل فكل نحلة من النحلات تحب لونا معينا من الألوان فتتجه إليه ( أبهى من الحسن وخلق الحسن ) .
( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه ) جميعا : محيطة بكل الأشياء المعروفة وغير المعروفة ( لأن فى ذلك لآيات لقوم يعملون ) يعملون فكرهم فى آيات الله الكونية فى السموات والأرض .
( وكم من آية فى السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) فعند سماع كلام القرآن وآياته فيسارع المؤمن لقول ( قل هو الله أحد )
الرجاء : نوع من الطلب فى اللغة    التمنى : طلب المحال فنصر الله المؤمنين وهزم الكافرين .
ففى غزوة بنى المصطلق فيوجد أن الأيام فعند خروج الجيش للقتال فأتى العبيد بالماء من البئر ليشرب الجيش فالمنافق عندما يقوم بعملية النفاق وهو اظهار الايمان وابطان الكفر يذل نفسه ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) ( من الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون ) فالشهادة أن يوافق اللسان القلب أما النفاق الذى لا يوافق اللسان القلب .
( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) فيوجد يوم العرب فى سوق الكلمة ( سوق عكاظ ) فى الجاهلية  ويوم بدر وأحد والحديبية فى الاسلام ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا ) ( للذين لا يرجون آيام الله ) فهم واقفون موقفا ضد الله عز وجل ( ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) الكسب : الزيادة فى ثمن البيع عن ثمن الشراء ( محمود ) وفيه اكتساب ( مذموم ) .
( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون إاذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يعملون ) .
( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) فهى مغفرة الذلات الخفاف ودفع بالتى هى أحسن لعله يرتدع ( ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ) فمعارك العداوة القتل فالدم يغلى عند القتل ففى الدم الذى يغلى ينزل الله اللطف ولبمسكنات ( ولكم فى القصاص حياة فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بمعروف وآداء إليه بإحسان ) ( ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب ) فالتجربة مع الله عز وجل شك ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) فبعد الغفران العفو ( وأحسن لمن أساء إليك ) فإذا أساء إليك فقد جعل الله فى جانبك والذى يجعل ربى فى جانبى يستحق أن يكافأ وإذا أساء إلى فقد انتقلت حسناته إلى ( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) فيوجد مصيبة تصيب الانسان من الخصم ومعصية أخرى تصيب الانسان من دون خصم ( ولما صبر وغفر ) لأن المعصية لم يكن فيها عدو فلم يقل ( إن ذلك من عزم الأمور ) وإنما قال ( إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
( ليجزى قوما بما كانوا يكسبون من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) ( وإن الذين ظلموا عذابا دون ذلك ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قبل عذاب الآخرة العذاب والخلود فى النار ( لعلهم يرجعون ) ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) .
ففى سورة الكهف  ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا
وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا )
( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) فحينما تكلم عن المعاصرين لرسول الله ( ص ) الفرس والروم عنادا وجحدا وحجابا وايذاء بالقول والفعل وبالمكر فيعطى الله عز وجل اسوة لرسوله ( ص ) ( لست بدعا من الرسل ) فالرسول يأتى بشريعة حق يحاربون به الباطل .
( ولقد آتينا بنى اسرائيل الكتاب ) التوراة والحكم ( مقاييس الحكم بالعدل لتستقيم أمور الحق والنبوة فالمسألة أنهم لديهم أنبياء فكانوا يفتخرون بأنهم أكثر الأمم أنبياء فالأنبياء يأتوا فى أيام الفساد وما دمتم كثيروا الفساد فإن نبى واحد غير كاف بل لا بد من وجود عدة أنبياء لبنى اسرائيل لكثرة فسادهم فبنو اسرائيل يقتلون الأنبياء ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ( ولقد آتينا بنى اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ) ( واذكرن ما يتلى عليكن فى بيوتكن من آيات الله والحكمة ) آيات الله  : القرآن    الحكمة  : سنة رسول الله ( ص )
( ورزقناهم من الطيبات ) فأعطينا لبنى اسرائيل المن والسلوى فالسلوى : الطير به جميع البروتينات  والمن به السكريات فالغذاء كامل ( لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سأللتم ) ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) فهم يريدون جعل الله عز وجل مادة والعياذ بالله ( ولقد آتينا بنى اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ) عالم زمانهم لأن زمنهم زمن وثنية وهم مؤمنين بالله  وأتيناهم بينات من الأمر
( ألم نمكن لهم حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) فقريش أخذت طبع من اليهود حيث قريش كانت تسير بالقبائل فى رحلتى الشتاء والصيف لبلاد الشام واليمن حيث أن باقى القبائل لا تقترب منهم بسبب وجود الكعبة المشرفة والمسجد الحرام فى مكة المكرمة مسقط رأس قريش فحينما يأتى وقت الحج تأتى القوافل من جميع أقطار الجزيرة العربية لآداء فريضة الحج فالكعبة المشرفة أعطت لقريش حق السيادة على العرب وحين حاول أبرهة الأشرم هدم الكعبة المشرفة فنزلت سورة الفيل ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم فى تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) وفى عام الفيل ولد الهادى البشير ( محمد رسول الله )
( لالف قريش الافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) سورة قريش .
( وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ) فنجد اليهود مقطعون فى الأرض ( وقطعناهم فى الأرض أمما ) فقال اليهود : لقد أطل زمان به نبى عربى سنتبعه ونقتلكم به قبل عاد وإرم .
( يعرفونه كما يعرفون أبنائهم فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ( وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) فقضية الايمان لرسول الله ( ص ) وحين أتى رسول الله ( ص ) بالايمان كفروا به فالهجرة كانت لاشراق الاسلام فى يثرب ( المدينة المنورة ) ثم انتشر الاسلام فى جزيرة العرب ثم للدنيا بأسرها ( وجعلناك على شريعة من الأمر )
الشريعة : الطريق الموصل للماء والماء أصل الحياة ( وجعلنا من الماء كل شىء حى ) فالشريعة أتت لحياة الأبدان لأنهم متأكدون للذهاب للآخرة للحساب على الأعمال والجزاء فبالنسبة للمؤمنين ( النعيم فى الجنة ) وبالنسبة للكفار والمنافقين ( العذاب بالنار )
( إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ) .
( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين أوليائهم أولياء بعض والله ولى المتقين ) ( هذا بصائر للناس ) البصيرة : الذى ينقدح فى وجدان الانسان من الحق فيوجد بصيرة للماديات وبصيرة للمعنويات والقيم والمبادىء الاسلامية السمحة فالبصيرة مقرها القلب ( هذا بصائر للناس وهدى ) الهدى : الذى يوصلك لطريق الحق من أقصر طريق فطريق الحق يشرفك ولا يكلفك لأن الله حين وصف المؤمنين حين قال
( أولئك على هدى ) ( هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ) يوجد شفاء ورحمة ( ننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ) الشفاء  : معالجة المرض  الرحمة : عدم حضور المرض فعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ( أم حسبوا الذين اجترحوا السيئات ) فالحساب من حسب والظن من حسب ( أم حسبوا الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ( ألم نجعل المتقين كالفجار ) إن الذين نصروا دعوتك يا رسول الله ( ص ) دعوة الحق بالاسلام وسنعامل الكافرين فى الدنيا بالهزيمة وفى الآخرة بالعذاب والنار وسنعامل المؤمنين فى الدنيا بالنصر وفى الآخرة بالنعيم والجنة .
اجترحوا السيئات  : كسبوا السيئات .
فيسمى الطير من الجوارح الكاسبات ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) ( وخلق الله السموات والأرض بالحق ) إن كنتم تريدون أن تستقيم أموركم بالعدل والميزان كالشمس والقمر والنجوم ( الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا فى الميزان ) فعليكم اتباع الحق فيما يأمر وفيما ينهى .
( أفرأيت الذى اتخذ الهه هواه وأضله الله ) أضله الله : لأنه تركه مختارا
الضلال  : أن الله عز وجل وجده ضالا فما دام مختارا فعليه الاختيار إما الهدى وإما الضلال ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ( فقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) فالدهر زمن والمكان ظرف والدهر والزمن من مخلوقات الله عز وجل فمتى يوجد الزمان والمكان إذا وجد الحدث ( وما يهلكنا إلا الدهر ) فيوجد حديث لرسول الله ( ص ) ( لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله عز وجل ) ( ومالهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) .
( وقالوا ماهى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) وقالوا : الذين يجاهدون فى طمس نور الحق على لسان رسول الله ( ص )
وما أكثر ما يقولون إلا أنهم لم يجترئوا على شىء واحد من خلق السموات والأرض ليقولن الله وما داموا يعترفون بأن الله هو الذى خلق السموات والأرض وما داموا يعترفون أن الله هو الذى خلق الانسان فهل يفهموا أن الله خلق الخليفة له فى الأرض
( الانسان ) ومنهج الله فى الأرض ( الاسلام ) الذى تصلح به الحياة فلماذا لم يعارضوا أن الله خالق الانسان فلقد وجدوا جميعا فوجدوا كونا فلا يستطيع واحد يطرأ على موجود أن يدعى أنه هو الذى فعله لأنه طرأ عليه فلا يمكن أن يدعى أنه هو الذى طرأ لأنه طرأ عليه وهو ليس له قوة ولا فكر فوجد كونا موجودا فلا يمكن أن يدعى أنه هو الخالق لأنه طرأ على الكون ولا يمكن أن يدعى أنه هو الذى خلق نفسه لماذا ؟ لأن آدم أبو البشر حين أراد الله أن يجعله خليفة له فى الأرض وذريته من أجل تعمير الأرض وجاء فوجد كونا به سماء وأرض ومياه وهواء ونبات وحيوان وجماد فكل شىء موجود فلا أحد يستطيع أن يحدد طبيعة الخلق إلا الله سبحانه وتعالى فمن أبوك يا آدم ؟ فأخبره الله عز وجل أنه خلق من قبل الله سبحانه وتعالى فالله عز وجل يحدد الصنعة وغايتها فإذا أردنا معرفة سبب وجودنا فى الحياة فلننظر لقدرة الله عز وجل ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) فالعبادة : طاعة العابد للمعبود فيما يأمر وفيما ينهى فإذا تم التلقى من أمور الحق سبحانه وتعالى فالله وضع للانسان قانون صيانة فإذا رأيت فسادا فى الأمة أو الأسرة أو فى الشخص ذاته فاعلم أنه ضيع منهج من مناهج الله لأن الله خلقه على هيئة الصلاح وخالقا مريدا بجوارحه فالانسان حين يقوم ما هى العضلات التى يحركها كى يقوم ؟ لا يعرفها وحين يريد الانسان الحركة فقال الله سبحانه وتعالى للجوارح أطيعى عبدى فيما يريد فعله فالجوارح مأمورة من رب الجوارح أن تطيع صاحبها فيما يريد فعله فهى تقرب صدق الحق فى قوله ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) لأنك إذا قلت لجوارحك أمر لا تطيعه فإذا ما أمرت بأوامر خاطئة نفذتها فالذهاب للرئيس الأعلى فقال افعلوا كذا وكذا وكذلك الجوارح تشهد يوم القيامة على صاحبها فى أفعاله التى قام بها فى الدنيا ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) لأن الجوارح يوم القيامة الانسان ليس له ولاية على جوارحه فى الآخرة بل بيد الله الواحد القهار فالولاية كانت فى الدنيا دون الآخرة فالحق سبحانه وتعالى فعل ذلك لبنيت لذاته أن خلق الانسان مختارا فى الكفر والنفاق والايمان ليكون الجزاء على قدر العمل فالاختيار جاء بالحق ليثبت أن الاختيار فالمختار أحب الله فأطاعه عن طريق الحب وليس عن طريق القهر فأولئك القوم الذين يعارضون المناهج السماوية اليهودية والمسيحية والاسلام .
( يا بن آدم خلقتك من أجلى وخلقت الأشياء كلها من أجلك فلا تشتغل بما هو لك عما أنت له يابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وضمنت لك رزقك فلا تتعب فلو أنك رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك وكنت عندى محمودا وإن أنت لم ترض بما قسمته لك فبعزتى وجلالى لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش فى البرية ثم لا يكون منها إلا ما قسمته لك وكنت عندى مذموما يا بن آدم لقد خلقت السموات والأرض ولم أعى بخلقهن يا بن آدم لا تسألنى عن رزق غد كما لم أسألك بعمل غد يا بن آدم أنا لم أنس الكافر الذى عصانى فكيف أنسى من أطاعنى ) فالكون مخلوق لله والانسان مخلوق لله وهو سيد الكون لأن الذى تحت الانسان الحيوان فليس له اختيار بدائل فيقوم بالغريزة ثم النبات ثم الجماد يا بن آدم أنت لك مهمة فى الكون وإلا كنت أتفه من الحيوان والنبات والجماد فمهمتك الالتقاء بربك الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى له صفات الكمال خلق الانسان فخلقه للانسان لم يكسبه صفة الكمال .
( وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا ) ما أغباكم أيها الملاحدة الكفرة فالله قد خلق الأشياء من العدم والله يجعل الحق يجرى على ألسنتكم وفى غفلة منكم كيف ؟ قول المنافقون ( لا تنفقوا على من عند رسول الله ) فلماذا قلت الآن رسول الله ( ص ) ؟ فتوجد حياة مقابلة للحياة الدنيا ( حياة الآخرة ) ( يوم القيامة ) .
( وقالوا ما هى حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) فالموت يأت بعد الحياة فكان من الممكن القول نحيا ونموت لأنهم يتكلمون وهم أحياء فالذى يطىرأ عليه الموت نحيا ونموت فيما يخلفنا من الذرية ( وما يهلكنا إلا الدهر ) الدهر : الزمن
فالهلاك موت فمن الذى وهب الحياة ومن الذى يأخذها ؟ الله عز وجل فالدهر والزمن فلا بد من الاتحاد فى زمن واحد ( وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) فهل العلم ذاتى أم علم حق ؟ جحدوا فلم يجعل لهم علم وقلوبهم مغلقة فالله يعينه على عدم قبول الحق لأن الكافر الذى عشق الكفر وأحبه فسأجعل الكفر ملازما لك فلا أجعل الكفار يخرج من قلبك ولا الايمان يدخل إلى قلبك فإذا مات شخص ما يأتى الحزن فيقول الله عز وجل ألم تؤمن بقدرى فسأجعل الحزن يخدمك فمن الخير أن تغلق باب الحزن بمسامير الرضا حتى لا يجترىء الحزن فالله عز وجل يعين الكافر على الكفر ويعين المؤمن على الايمان ويعين الحزين على الحزن فالذين ينكرون الدهر يشكون فى البعث فأنتم آمنتم بالخلق إله بلا منهج لأن غريزة التدين مطمورة فى النفس نتيجة العهد الأول فى خلق آدم فحينما خلق الله آدم مسح على ظهره فلما مسح على ظهره أخرج ذريته إلى أن تقوم الساعة ( وقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) فكل انسان يوجد به ميكروب أوجده من أبيه فالله الذى أوجدنى من أبى ميت أكنت أجىء ؟ فالميكروب الذى جئت به ميكروب حى فكل البشر بهم سلسلة من ذرية آدم عليه السلام فهذه الذرية
الايمان بالفطرة ( إنما أنت مذكر ) مذكر بالعهد الأول الست بربكم : أشهدهم فى عالم الذرية قبل أن توجد لكم شهوات نفس مخافة أن تقولوا يوم القيامة ( إن كنا عن هذا غافلين ) أو تقول ( إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أتهلكنا بما فعل المبطلون ) فكل انسان به ذرة ايمان من سلسلة آدم والتى شهدت العهد الأول حينما كان الانسان فى ظهر آدم ولم تشهد حياة ولا فناء لأنه لو طرأ علبها الموت فى أى لحظة ما وجد شىء  ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر ) فالذرات التى تتفتت عند موت الانسان تصبح تراب فالتراب يه عناصر مختلفة من كل انسان فعند جمعها يوم القيامة عن طريق البعث ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ ) فكمية الذرات وبنيتها فى الجسم متساوية حينما ذكر الله فى القرآن الكريم العظيم القصص ( أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى فخذ أربعة من الطير وصرهن إليك ثم قطعهم واجعل على كل جبل منهم جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا ) فعظمة الخلق غير عظمة الخالق فجعل عيسى عليه السلام يحى الموتى بإذن الله .
( الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأنتم خرجتم حتى لا تموتوا فموتوا ثم أحياهم لتبيان العبرة من الخلق والايجاد ( الذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الأرض بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت ؟ قال يوم أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ) فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يعطى الحجة لكل قول كيف تأتى الحجة بمائة عام أو تأتى الحجة يوما أو بعض يوم ؟
فلقد صدق الله فى قوله يوم أو بعض يوم حينما وجد طعامه لم يفسد وصدق الله حينما أخبره مائة عام حينما رأى حماره لم يطرأ عليه أى تغيير فالله يقيض الزمن فى حق أناس ويبسطه فى حق آخرين فهو القابض الباسط ( وما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) ( أءذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون أو أباؤنا الأولون ) فيوجد قسمان قسم متيقن وقسم يمر ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) واضحا فى أن البعث أمر واجب فى عمل الخير والشر فالقانون والعداله فلا بد من البعث حتى يأخذ المؤمن ثوابه ( النعيم فى الجنة ) والكافر والمنافق ( العذاب فى النار ) يوم القيامة .
ففى سورة الكهف قصة ذات القرنين ( يسئلونك عن ذى القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا  
إنا مكنا له فى الأرض وأتيناه من كل شىء سببا فاتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا أما من ظلم سوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ونقول له من أمرنا يسرا ) فإن لم يكن المسىء يعاقب والمحسن يجازى ( وإذا تتلى عليهم أياتنا بينات ما كان حجتهم ) الحجة : الدليل على القول
(أءت بآبائنا إن كنتم صادقين ) فهم لم يعرفوا شيئا عن الجنة والنار ( قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم ) والجمع لا يأتى إلا بعد احياء ( أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) ليجتمعوا يوم القيامة للحساب ( قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( ولله ملك السموات والأرض ) ما يتقدم الجار والمجرور على المبتدأ يراد به الحصر .
( ولله ملك السموات والأرض )  ملك   وملك  وملك   الملك : كل ما يملك   
ملك : تملك من يملك    ملك : الرأى
( لله ملك السموات والأرض ) ( لله ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) فإذا كانت السموات والأرض بها عجائب فيوجد بهما أعجب العجائب .
( يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ) تقوم الساعة : تقوم من القيامة وسميت ساعة لأنه حينما يقدم زمنها يبين أنها تأتى فى أى لحظة كما أبهم الله أجل الانسان لتستحضر الله فى كل لحظة من اللحظات ومن الابهام عين البيان فالانسان لا يملك طرفة عين فاحذر أن تقبض وأنت أيها الانسان على مغضبة من ربك والموت من دون أسباب هو السبب أفلأ أنه يموت فالله يريد أن يباهم أشياء ليبالغ فى بيانها فأبهم أجل الانسان حتى يترقبه الانسان فى أى لحظة من اللحظات حيث أبهم الله أمر الساعة لكى يفاجأ الخلق بها فمن رحمته أن جعل للساعة علامات فيوجد علامات كبرى وصغرى للساعة ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) ( ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ) علامات صغرى للغفلان لكى يتنبأ وعلامات كبرى حتى يصبح أمر الساعة حق .
( يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ) المخسر والمكسب يعرفها التجار فكل تاجر له رأس مال فرأس المال يأتى له بالرزق فكل عمل من الأعمال يجب أن يحسب هل سيؤدى للخسارة أم المكسب فالكافر يفهم أنه سيكسب فى الدنيا وإنما فى الآخرة فيسخر نفسه
( يوم تجد كل نفس ما عملت محضرا تود أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) فمعنى الخسارة أن أعمال الكافرين أصبحت هباء يوم القيامة فكيف الذين اخترعوا أشياء تخفف آلام البشرية فى الأمراض وسبل الحركة كالطائرات والسفن والقطارات والسيارات والغواصات فسيذهبون للنار لماذا ؟ لأنهم عملوا الأعمال وفى ذهنهم الانسانية فالانسانية كرمتهم وعملت لهم تماثيل وكتبت لهم كتب فهل عملوا ذلك لله عز وجل فى بالهم ؟ لا فلو عملوا ذلك والله فى بالهم لأعطاهم الله من فضله يوم القيامة فالأجير لا يطلب أجره إلا من عمل له فالحق سبحانه وتعالى ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ووجد الله عنده ) فوجىء بإله لم يكن فى باله فإن كنت عملت عملك لله فقد وجدتنى ولكنك عملت عملك من أجل الدنيا فأعطتك الدنيا فليس لك عندى سوى العذاب والنار .
( يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها ) ( وترى كل أمة جاثية ) فيوجد جاثية فالجاثية : التى لا تقعد على مقعدتها بل تفعد على ركبتها ( الانسان الخائف ) لأن القعود أمر يأتى بين الوقوف والاضطجاع فكان مضطجعا فجلس فالجلوس غير القعود فهو ينتهى إلى شىء واحد فالجلوس من الأدنى للأعلى أما القعود : كان قائما فقعد فإن القائم والقاعد لهم مسألة فلسفية لأن القائم حمله على قدميه أما القاعد حمله على كثير فالقائم والماشى حركته على قدميه فالمشى يجهده فيقف قليلا والأصعب حينما يكون ماشيا ويحمل أشياء فقدميه تحمل جسمه والأشياء التى يحملها فإذا تعب وضعها على الأرض لأن عند الاضطجاع يكون ثقله على كل الجسم ( يوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية ) فالله سبحانه وتعالى يصور الموقف تصوير لفظى ليعطيك صورة للواقع ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) الجاثية الكفرة أم المؤمنون الكل منتظر كلمة الحق ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) المستشرقين فماذا يوجد فى هذه الآيه ؟ ( كل أمة تدعى إلى كتابها ) فنسب الكتاب إلى الأمة ( هذا كتابنا ينطق بالحق ) ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) فمرة يسنده للأمة ومرة يسنده لذاته تعالى فالحفظة الذين كتبوا الكتاب
( القرآن الكريم العظيم ) ليكون حجة على الكافرين والمنافقين يوم القيامة وكتابه : الذى كتب يظهر عليهم فيه فمن ناحية الأمر بالكتابة أو من الله أى أمر الحفظة أن يكتبوه
( تدعى إلى كتابها ) أى الذى سجل فيه الشىء فيوجد فرق بين الكلمتين فاللفظ فى كتاب الله يستعمل بمعنيين ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) هل هى أموالكم أم أموال السفهاء ؟ فما دام سفيها والمؤمنون تتكافأ أموالهم فبسعى بذمتهم أدناهم فخذ أنت مالك لكن عندما تأنس منه رشدا ( ادفعوا إليهم أموالهم ) فيوجد أموالكم وأموالهم ( كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) فالبيان باللسان فإذا كان يوجد شىء يؤدى معنى اللسان ينطق فالكتاب ينطق أم يقرأ إنه يقرأ .
( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) نستنسخ : نطلب نسخه
( وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( إنا عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) نستنسخ أى نطلب أن تستنسخوا النسخة لتعطيه لكل واحد بحيث تصبح حجة عليه ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته ) فالمفلح يقول يوم القيامة ( هاؤوم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابية ) والخسران يأخذ كتابه بشماله ويقول ( ياليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانية ) تفسر ( يخسر المبطلون ) ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته ) فى تدل على الظرفية فكأن ظرفهم فى الرحمة فالرحمة محيطة بهم من كل جانب لأنه فى الحياة الدنيا مرة يتعبوا ومرة يكسبوا ومرة يخسروا فالرحمة  وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة     
الشفاء : إن كان حدث للانسان خلل فى تكليفه فأصابك منه ضرر فيشفيك منه .
الرحمة : مناعة من الداء فلم يحدث شىء ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) آمنوا وعملوا الصالحات : يدل على أن الايمان وحده لا يكفى بل الايمان وظيفته أن توظفه فيما أمنت به ( والعصر إن الانسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) سورة العصر .
لأن الايمان بالله عز وجل فالايمان بالبعث والقضاء والقدر يجعل الانسان على يقين أنه سوف يٍسأل عن كل أعماله فى الدنيا وما دام الانسان سوف يسأل عن كل أفعاله فى الدنيا فيصبح يقظا باستمرار فالنسيان والخطأ يجبرها الله سبحانه وتعالى بالتوبة النصوح فقد شرع الله للمسلمين التوبة على أخطائهم وأعمالهم التى تغضب رب العالمين فمشروعية التوبة رحمة ليست للمذنب وحده وإنما للخلق لأن الذى يعصى ربه يعصى ربه بشىء يؤلم المجتمع فلما لا يكتب الله على شخص ما بالتوبة فالذى يعمل ذنب واحد يخرج من رحمة الله فيفجر فى خلق الله فبالتوبة تصلح الشخص والمجتمع ( ثم تاب عليهم ليتوبوا ) فجعل للتوبة أمرين : فمشروعية التوبة فضل فإن تاب وللتوبة لها شروط :
1 ) الندم على الذنب    2 ) العزيمة على عدم العودة للذنب    3 ) طلب المغفرة من الله
( ثم يقبل التوبة عن عباده ) ( ذلك هو الفوز المبين ) الفوز المحيط بالنفع الكامل بحيث لا يتسرب إليه شىء يناقض الحق فى الرحمة ( أما الذين كفروا ) بين لهم قبل دخلوهم النار أنهم قد قصروا فى حق أنفسهم ( أولم تكن آياتى تتلى عليكم فاستكبرتم عنها وكنتم قوما مجرمين ) الاستكبار : ألا يؤمن بما جاء به الرسول ( ص ) أما الاجرام : أن تقوم بتهزىء المؤمن ( إن الذين أجرموا ) عملوا عملا زائدا على كفرهم ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين ) الحق سبحانه وتعالى يطمئن المؤمن فى الدنيا على ما سيكون له فى الآخرة من النعيم فى الجنة ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) فالمجرمين ضحكوا من المؤمنين فى الدنيا أما فى الآخرة فيضحك المؤمنين من الكافرين يوم القيامة ( هل ثوب الكفار ما كانوا يعملون ) ( فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندرى ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين )  الظن : ترجيح الشىء لأن النسب إما علم وإما شك وإما ظن وإما وهم  ظن : يغلب الشىء   الوهم : تغليب الباطل ( وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ) أحاط بهم فلا يجدوا مفرا ولا مهربا ( وقيل اليوم ننساكم ) قول الحق سبحانه وتعالى أى ننساكم مهملين ( وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما كنتم من ناصرين ) ( ومأواكم النار ) ما هو المأوى
المأوى : المكان الذى يأوى إليه الانسان من متاعبه فإذا كانت النار هى المأوى للكافرين والمنافقين فالمأوى من ماذا ؟ المأوى : البيت والسكن والراحة ( وإذا تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وتقطعت بهم الأسباب ) بسبب أنكم ( اتخذتم آيات الله هزوا ) اتخذوا الآيات هزوا أنكروها وأخذوا آيات الله مهزوءا بها فلما تقول فلان عادل وفلان عدل فالعدل هو ذاته عدل ( وغرتكم الحياة الدنيا ) ( 3 أشياء ) الانكار والتهزىء والاغترار بالحياة الدنيا ( فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ) لا يخرجون منها ( النار ) ( ولا هم يستعتبون) يستعتب : مادة مأخوذة من العتاب فما هو العتاب ؟ المحاورة فى أمر عزيز عليك أنك تفقده فعملت شيئا أبكاك منه ولم تهن تركه ففى حادثة الطائف عندما خرج رسول الله ( ص ) منها قال لرب العالمين  لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك  
( هذا عذابى أصيب به من أشاء ) ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) فيوجد قسم يظن وقسم ممكن فيسمع من قوم يخبرون بوجود الساعة ( المؤمنين ) وقوم آخر يخبرون بعدم وجود الساعة ( الكافرين والمنافقين ) ( وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كان به يستهزءون ) ( اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لهم من ناصرين ذلكم أنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين ) يجب أن يوجد الحمد لله على أنه خلق من عدم وأمد من عدم وهدى بآياته البيانات سبل الحق فيجب حمده تعالى وأعانا بمنهج وحفظ القيم والمبادىء بالمنهج ( القرآن الكريم العظيم ) .
( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) يحييهم بمنهج القرآن الكريم العظيم وسنة رسول الله ( ص ) فالروح جعلت المادة بها حياة ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) فيوجد روح للمادة لتتحرك وتنتهى ( نزل بها الروح الأمين ) حياة المادة : عمرها الدنيا
حياة القيم : عمرها لا نهائى
لأن المادة ما دمتم مهتما بها ستنتهى وقبل أن تنتهى فأنت مسطول بها بأمرين :
1 ) لزوال النعمة       2 ) الموت وترك النعمة
لله الحمد : ليس لغيره    الحمد لله : مبتدأ وخبر لأنه سوى بين الخلق جميعا فى السماء عليه ( أنت كما أثنيت على نفسك ) الله عز وجل فقال أهل المعرفة أن تعليم الخلق الحمد لله تستحق أن يحمدوا الله فالحمد من الحامد لله ينتهى ومن المحمود عليه لا ينتهى
( رب السموات ورب الأرض رب العالمين ) ( وله الكبرياء ) الكبرياء فيوجد كبر : يكبر وكبر : تكبر إذا عظم فيوجد للسن والمقام ( كبرت كلمة ) عظمت
الكبرياء : من العظمة وهذه نعمة من الله أن يكون له الكبرياء وحده لأنه ما طمع فيك لتكون عبدا له إلا ليكفيك أن تكون عبدا لكل ذى قوة عنك فجعلك عبدا له وهو واحد فالانسان لا يتكبر إلا عندما يحجب نفسه عن كبرياء الحق إنما الذى يستحضر كبرياء الحق يستحى أن يتكبر لأنه يشاهد عظمة الله عز وجل فى مخلوقاته فالذى يتكبر على الخلق غير مستحضر كبرياء الحق عليه فالكبرياء ضعيف ثم قوى فجعلت له حسنة والذى يعمل حسنة فيكون مديونا له ( اتق شر من أحسنت إليه ) ( وله الكبرياء فى السمواتوالأرض وهو العزيز الحكيم ) له حمد لأنه لا يغلب وله الكبرياء لأنه لا يغلب فهو حكيم ( وهو العزيز الحكيم ) .
( فلله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين وله الكبرياء فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ختام سورة الجاثية وسورة الجاثية التى بدأت ب ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم فكأن السورة بين قوسين وهما العزة والكبرياء والحكمة .
وضمت بآية الله سبحانه وتعالى ( وهو العزيز الحكيم فكأن السورة بين قوسين وهما العزة والكبرياء والحكمة لله رب العالمين ) ( الكبرياء فى السموات والأرض ) ومن العجيب أن السورة التى تلتها بدأت ب ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم فكأن الله يؤكد على هذه الصفات من العزة والحكمة والحمد له فاطمئن بإن الذى أنعم عليك بأن أوجدكم من العدم ونفخ فى ذريتكم من روحه لتتحرك فى حركة الحياة وأمد حياتنا بمقوماتها من هواء لكى نتنفسه وماء لكى نشربه
وماء وزروع وحيوانات لكى تؤكل وكسى العريان من لباس فهو للعورة ستر وفى السياق وقال ريشا ( ولباس التقوى ذلك خير لكم ) كل ذلك من عند الله فيجب أن نحمد الله على ذلك فالحمد لله على الذى أنعم سابقا وبعد ذلك يطلب منا أن نطمئن على أن ما وهبنا الرحمن كل هذه النعم لا سالب له لأن له الكبرياء فى السموات والأرض فلا توجد قوة تنفض كل ذلك الخير اطمئنوا إلى أن ربكم عزيز لا يغلب وحكيم يضع الأشياء فى مواضعها فقول الحق ( إن الكبرياء صفة مأخوذة من المبالغة فى الكبر والتكبر والعظمة فهذه صفة فى الله عز وجل لا يجب أن تكون فى خلق من خلق الله عز وجل ومن عظمته ومن حب الله لنا ألا يوجد فى الأرض من كبرياء إلا هو لأنه هو الخالق وهو الراحم ولو ملكنا لبعضنا ما استطعنا أن نعيش مع بعضنا أبدا فأنتم حمدتم على السابق فاطمئنوا على اللاحق لأن للكبرياء لاينازعه أحد لأنى عزيز لا أغلب وحكيم لا أتصرف فى الشىء إلا بحكمة فإن أصابتكم أشياء فإذا كان الله عزيز لا يغلب فلماذا ترك رسوله ( ص ) ليتضرع إليه فى الطائف ؟ ( إن لم يكن لى عليك غضب فلا أبالى ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ) ويسلط عليه السفهاء ليصنعوا معه ما صنعوا فما دام الله عزيز غالب فلماذا لم ينصر من عزته على محمد ( ص ) فلا يغلب فهذه صفة الحكمة عزيز لكن له حكمة فى أن يجعل الذى يبلغ عنه يضطر لمواقف أن يعفى قاعدة الاسلام من كل خبر ومن كل جد فيبقى مع الرسول عليه الصلاة والسلام قوم هم أسلم فى العقيدة لأنهم سيحملون منهج الله للدنيا كلها إلى أن تقوم الساعة فالحق سبحانه وتعالى يبين لنا الحكمة فى العزة لا يغلب ولكن بحكمة لماذا ؟ فالله سبحانه وتعالى سرد لنا فى قصة محمد ( ص ) يوم ذهب للحديبية فقريش ردته عن البيت حتى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول يا رسول الله أنقبل الدية فى ديننا ألسنا على الحق ؟ بعد ذلك ينظر إليه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وثبت به قضية الايمان فى حروب الردة فلما لم يسمع المسلمون كلام رسول الله ( ص ) دخل على زوجته أم سلمة وقال لها هلك المسلمون يا أم سلمة أمرتهم فلم يطيعوا قالت يا رسول الله إنهم جاءوا وكلهم شوق إلى بيت الله الحرام ولم يكن بينهم وبين البيت إلا مسافة قصيرة ثم يردون هكذا اعذرهم يا رسول الله فطابت نفس رسول الله ( ص ) يا رسول الله اذهب وافعل ما أمرك الله به فإن رأوك جادا ذا عزيمة فسينفذون معك الأمر فخرج رسول الله ( ص ) وعمل ما قالت أم سلمة وإذا بالقوم يهدئون وينصرفون إلى المدينة فقبل أن ينصرفوا للمدينة دافع الله عن قومه بالعزة لكم فنحن منعناكم من دخول مكة لأن لكم إخوان مؤمنين وستروا ايمانهم فلو دخلتم معهم فى معركة لقتلتم اخوانكم فى الدين فتصيبكم منهم معرة ( وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) فلم يصلوا للمدينة إلا حينما بين لهم الحكمة من عدم دخول مكة ذلك العام فالعزة صفة الحكمة أما الكبرياء : الكاف والباء والراء تدل على الكبر فى المادة وتدل على العظمة فى الكبر ففى القيم
( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) فيوجد كبر للمادة وكبر للعظمة فالحق سبحانه وتعالى حينما سمى نفسه باسمه وعلمنا ذلك الاسم قال إن من أسمائه الكبير ولكن ليس من أسمائه الأكبر ولا شك أن كل الأكبر تصغر المزيد عن الكبير فهذا شعار الصلاة فى قوله الله أكبر فلم يقل الله كبير فجعل شعار الصلاة التى هى عماد الدين تبدأ بالله أكبر لأنه يريد أن يخرج الناس إلى الصلاة من عمل لصالح الحياة ( إن الله هو الذى أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) فلا بد للحياة من حركة والحركة تجمعها التجارة لأن التجارة واسطة بين منتج ومستهلك فالمنتج ينتج فى كل شىء فى الزراعة والصناعة والتجارة فيوجد بيع وشراء ففى سورة الجمعة ( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) أخرجنا من قمة عمل ( البيع ) فالانسان قد يشترى وهو كاره إنما يبيع وهو مبسوط فالمكسب فورى ( فقد أخذنا من عمل فهو القمة فى الكسب الواسع فلنذهب للمسجد ونلقاه فيمدنا بالطاقة الايمانية عندما ندخل بيته فى المساجد فعند الخروج للعمل بعد صلاة الجمعة نخرج للعمل بكل قوتنا فيقول رسول الله
( ص ) لبلال بن رباح رضى الله عنه ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) ويأخذنا بالطاقة الايمانية لكى نستأنف حركة الحياة فى العمل فالعمل فى حركة الحياة كبير وليس صغير لأنه مطلوب فى حركة الحياة وما دام كبير ولكن دعوة ربكم إليه أكبر لأنه هى التى تعطى الطاقة الايمانية لنستأنف العمل بجد ونشاط واخلاص فالاثم كبير فالأكبر دليل على وجود الكبير فجعل الحياة كبيرة فمقابل الكبير الصغير فكل شىء دون الله صغير .

  

Comments

Popular posts from this blog

تفسير سورة الزخرف للشعراوى

تفسير الشعراوى لسورة النجم

تفسير سورة الزخرف للشعراوى