تفسير سورة الأحقاف للشعراوى

تفسير سورة الأحقاف للشعراوى
بسم الله الرحمن الرحيم
( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) فكأن الله يؤكد الحمد والكبرياء والعزة والحكمة له فاطمئن بأن أوجد البشرية من عدم ونفخ فى ذرية الانسان من روحه لتتحرك فى حركة الحياة وأمد الانسان بالهواء والماء والطعام واللباس ستر للعورة وأمدنا بالثياب فقال ريشا ولباس التقوى ذلك خير فكل ذلك من عند الله عز وجل فيجب أن نشكر الله على نعمه فلا توجد قوة يمكنها تغيير ما أراده الله عز وجل من الحمد والكبرياء والعزة والحكمة .
فالكبرياء مأخوذة من الكبر والعظمة اطمئنوا بأن الله له الكبرياء واطمئنوا أن ربكم عزيز لا يغلب وحكيم يضع الأشياء فى مواضعها ( فإن ) له الكبرياء فى السموات والأرض فالكبرياء صفة مأخوذة من المبالغة فى الكبر والتكبر والعظمة فهى صفة فى الله عز وجل
وأن نكون من خلق من خلق الله فلماذا ترك الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فى الطائف أن يقول ( إن لم يكن على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك أوسع لى ولا حول ولا قوة إلا بك لك العتبى حتى ترضى ) فهذه صفة الحكمة عزيز فإن المسلمون سوف يحملون رسالة الاسلام للدنيا كلها فى كل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة ( القيامة ) فالحكمة غير العلم لأن الله عز وجل سرد لنا فى قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذهب للحديبية فقريش ردته عن بيت الله الحرام حتى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ألسنا على الحق يا رسول الله قال : بلى حيث قال له أبوبكر الصديق رضى الله عنه مبينا قضية الايمان فقال : الزم غرسك يا عمر إنه رسول الله فإن أم سلمه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المسلمون يا أم سلمه أمرتهم فلم يطيعوا فقالت له صلى الله عليه وسلم إنهم جاءوا على شوق لبيت الله الحرام ( الكعبة المشرفة ) ثم يردون هكذا اعذرهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فطابت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : اذهب وافعل ما أمرك الله به فعلوا مثلك يارسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرفوا للمدينة المنورة ولكن كانت العزة لهم بصفة الحكمة فإننا منعناكم من دخول مكة المكرمة لأن لكم إخوان مؤمنين داخل مكة المكرمة ولكنهم يخفون ايمانهم بالله عز وجل فلو دخلتم معهم فى معركة لقتلتم اخوانكم فى الدين الاسلامى فتصيبكم منهم معرة .
( وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) فعند وصولهم المدينة بين لهم صفة العزة من صفة الحكمة فالكبرياء : الكاف واللام تدل على الكبر والعظمة ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) فيوجد كبر للمادة وكبر للعظمة فالحق سبحانه وتعالى حينما سمى نفسه باسمه فعلمنا ذلك الاسم ووجدنا أن من أسمائه ( الكبير ) ولكن ليس من أسمائه ( الأكبر ) ولا شك أن الأكبر تعطى مزية على الكبير فجعلها من شعائر الله فى الصلاة ( التكبير ) ( الله أكبر ) لأنه يريد أن يخرج الناس للصلاة من عمل لصالح الحياة .
( وأنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) فالحركة تجمع معها للتجارة فالتجارة واسطة بين منتج ومستهلك فالمنتج ينتج فى الزراعة والصناعة فيوجد بيع وشراء ( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) .
                               
فالذهاب للمسجد ليمدنا بالمزيد من الطاقة الايمانية ونجينا بها عند دخول بيت الله الحرام فعند الخروج للعمل نخرج بكل قوتنا ونستريح فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال بن رباح ( مؤذن الرسول الكريم العظيم ) ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) لأن الصلاة تستأنف عجلة الحياة من نشاط وجد وعمل واخلاص .
فمقابل الكبير / الصغير فكل ما سوى الله صغير .
( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) فتوجد فى ختام سورة الأحقاف فكأنه نهانا من عزة وحكمة إلى عزة وحكمة فتوجد فى الحواميد السبعة تتصل بالقرآن ( غافر / العزيز
/ الحكيم / العليم / الرحمن / الرحيم ) الشورى .
( حم تنزيل من الرحمن الرحيم )  حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون
( حم والكتاب والمبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منزلين ) فإذا كانت الأرض قد جفت فسأجعل السماء احتفالا بك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكل شىء فى سورة الأحقاف فيها نظام من الكتاب العظيم ( القرآن الكريم العظيم ) فالايمان بأمر الغيب والمشهود ليس فيه ايمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى به من المسجد الحرام للمسجد الأقصى حيث صلى بجميع الأنبياء إماما ثم عرج به للسماء السابعة وعرش الرحمن ليريه من آياته الكبرى فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتدعى أنك ذهبت لبيت المقدس فى ليلة ونحن نذهب إليها شهرا فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له صف لنا بيت المقدس فجعل الله عز وجل بيت المقدس أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبر الناس بوجود قافلة من الابل قادمة عليهم دليلا على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاسراء أية أرضية لأنها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى بوركنا حوله .
حين اعتقدوا أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نواميس الكون وطوى له الزمن كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المسجد الأقصى الذى يأخذ شهرا أخذ فى ليلة واحدة على ظهر البراق فالاسراء كان بالروح .
فحين أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحول فى الصلاة من بيت المقدس للمسجد الحرام ( الكعبة المشرفة ) قال اليهود ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ) ( قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) فالاسراء دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طويت له الأرض واختصر له الزمن والله أعلم .
فحينما صعد الناس القمر ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات واتلأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) ( سلطان العلم ) .
( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) فليس سلطان العلم بل سلطان قدرة الله عز وجل فكل غيب يحرسه مشهد فنجد القرآن الكريم وكلماته ( حم / ألم / ق / المص
/ طس / طسم / يس / كهيعص / ألمر / طه / ن ) فالله أعلم بمعانيها فالقرآن مبنى على الوصل من وقف واجب ( مدهامتان ) ( فبأى ألاء ربكما تكذبان )  فيهما عينان نضاختان
( فبأى ألاء ربكما تكذبان ) حتى آخر آية فى القرآن ( من الجنة والناس ) فهو موصول ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الفاتحة .
فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل لأن الحروف المقطعة ننطقها على الوقف
( حم والكتاب المبين ) حم : الشىء الغامض   الكتاب المبين : الواضح ( لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) .
فكل حرف له مدلول ومعنى استأثر الله عز وجل به فالايمان به بالغيب .
فلماذا قرأت ( ألم ) فى سورة البقرة وقرأت فى سورة الشرح ( ألم ) ( فإذا قرآنه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) فاللحروف أسماء وللحروف مسميات فالاسم شىء والمسمى شىء آخر فالمتعلم يعرف اسم الحرف والجاهل يعرف مسمى الحرف .
( إن محمد بعث فى الأمين رسولا منهم ) فالأمى غير المتعلم فكيف نطق بألم وهذه أسماء لا يدركها إلا من تعلم فالأمى لم يتعلم من البشر بل تعلم من الله العزيز الحكيم فالحرف ينقسم لقسمين  : حرف مبنى : ك    حرف معنى : كتب
( والذين كفروا عما انذروا معرضون ) ( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) فخلقنا لغاية والغاية ثابتة لا تتغير فهى مبنية على شىء ثابت فالذى لا يتغير مبنى على الحكمة أما الذى يتغير فهو مبنى على غير الحكمة .
( فجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا ) فالباطل جندى من جنود الحق والكفر جندى من جنود الايمان .
فالشمس والقمر والسماء والأرض والليل والنهار له أجل كأجل الانسان ففى الدنيا أشرقت الشمس أما فى الآخرة أشرقت الأرض بنور ربها فالانذار للتخويف .
فقالت السماء أسقطنى كسفا على ابن آدم فقد أكل أكلك ومنع شكرك وقالت الأرض ائذن لى أن أخسف بابن آدم فقد طمع خيرك ومنع شكرك فقال لهم عز وجل لو خلقتموهم لرحمتموهم فإن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم .
( والذين كفروا عما انذروا معرضون ) ( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون ) ( قل أريتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى السموات ائتونى بكتاب من قبل هذا أو اثارة من علم إن كنتم صادقين ) فى أنهم آلهة فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يثبت أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء اتخذوهم بلا سابقة كمال أو نفع فاتخذوا الأصنام والأصنام تنحت بيد البشر (
 (  أتعبدون ما تنحتون ) كاللات والعزى ومناة وهبل ( اثارة من علم ) بقية من علم .
المعنى : أخبرونى عن السؤال ماذا خلقوا من الأرض وأتى بالأرض أولا لأنها مكانهم ثم السماء فالجواب أنهم لم يخلقوا شيئا لأن الخالق إن كان هو الخالق فقال أنا الذى خلقت
( الله ) عز وجل والمعاندون سمعوه فصاحب الدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى له إلى أن يوجد معارض فتسلم الدعوة لصاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فالخلق فيه الكبير والصغير والدقيق والضخم فوجد فى الصغير كل الخواص الموجودة فى الكبير والدقيق كل الخواص الموجودة فى الضخم .
( إن الذين تدعون من دون الله لم يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقظوه ضعف الطالب والمطلوب ) فالعبرة الخلق والتذليل ( إن الله لا يستحى أن يضرب بعوضة فما فوقها ) فى الصغر وليس فى الكبر .
( أو لم يروا أنا خلقنا ممن عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم ) ( أم أتيناهم من قبله من كتاب ) فكل الدعاوى دعاوى باطلة .
( ومن أضل ممن يدعو من دون الله ألا يستجيبوا له ) فالاله الحق هو الذى يأمر فيطاع
( الله عز وجل ) ( من أضل ) حينما يريد الله عز وجل أن يلغى حكما لا يليق من جانبه فيعرضه فى اسلوب استفهام .   
( من أضل ممن يدعو من دون الله ) ( من لا يستجيبوا له إلى يوم القيامة ) .
( وهم عن دعائهم غافلون ) فالله عز وجل يشهد بين الخلائق يوم القيامة
( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ) ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم الذين كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) ( أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) ( قل بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فإنهم يومئذ فى العذاب مشتركون ) فالسلطان نوعان : سلطان يقنع الانسان بما يفعل وسلطان يرغم الانسان ألا يفعل ( أرنا الذين أضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ) وهذه حجة الشيطان يوم القيامة ( وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى ما أنا بمصرخكم ولا أنتم بمصرخى إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم فلا تلومونى ولوموا أنفسكم إنى أخاف الله رب العالمين ) .
مصرخكم مأخوذة من أصرخ والذى ينفذه أصرخه أى أزال صراخه والهمزة همزة إزالة
( ومن أضل ممن يدعو من دون الله ألا يستجيبوا له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) ( إنكم وما تدعون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) ( وإذا آتتك آيات بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين ) فإن الآيات الواضحة تدعم الايمان ولكن الذين كفروا ( قالوا للحق هذا سحر مبين ) فاللام بمعنى نحن فإنهم لم يواجهوا من آمن بالحق .
( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لى من الله شيئا ولو تقول علينا بعض الأقاويل أخذنا منه اليمين ) فرسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من يهودى فلقيه فى يوم وأعطاه ثمن الفرس ( الحصان ) فاليهودى ادعى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا أنه لم يعطه ثمن الفرس فقال اليهودى أرنى شاهدا فقال أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ( خزيمة بن ثابت ) أنا يا رسول الله رأيتك وأنت تعطيه ثمن الفرس أما اليهودى بهت وقال خزيمة عندما استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا له هل كنت فى المكان الذى أعطيت فيه المال لليهودى ولكنك لم تكن موجودا فلماذا شهدت بذلك ؟ فقال خزيمة بن ثابت رضى الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقك يا رسول الله فى خبر السماء فكيف أكذبك فى خبر الأرض وأنت الصادق الأمين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة فحسبه فعند جمع القرآن الكريم كان يتم كتابة الأية فى المصحف الشريف إذ شهد عليها إثنان قراءة وكتابة .
( هو أعلم بما تفيضون فيه وكفا به شهيدا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم )
الشهادة : الحق سبحانه وتعالى شهد لنفسه أولا ثم شهدت ملائكته له ثم شهد أولوا العلم
( شهد الله أن لا إله إلا هو شهادة الذات للذات وشهادة الملائكة شهادة المشهد وشهادة الاستدلال ( أولوا العلم ) .
فالله سبحانه وتعالى علم نبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدب فى الدعوة إلى الله
( قل إن افتريته فعلى اجرامى وإننى برىء مما تعملون ) ( لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لى من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم ) فالله عز وجل عنده باب المغفرة والرحمة ( قل ما كنت بدعا من الرسل )
البدع : هو الشىء الذى لم يسبق فإن الخير فى أنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرا ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم ) فبداية الدعوة كانت فى مكة المكرمة ولكن نصرة الاسلام كانت فى المدينة المنورة فمكة المكرمة كان بها قريش التى ألفت السيادة على العرب بوجود البيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) فيها لأن كل العرب يأتوا لحج بيت الله الحرام .
( وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم ) أيأمرنا الله أن نقاتل أم يأمرنا بترك المكان الذى نحن فيه ونذهب لمكان آخر نلتمس نصرته فاذهبوا للحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد
( النجاشى ) ولقد أرسلت قريش ( عمرو بن العاص ) لاسترجاع المسلمين من الحبشة ولكن الله عز وجل خذل المشركون ولقد آمن النجاشى بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة للمدينة المنورة .
( ما أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين قل أريتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله ) ( إن الله لا يهدى القوم الظالمين ) .
إن القرآن الكريم مسبوق بموسى وعيسى عليهما السلام والانجيل عند عيسى والتوراة عند موسى فيها صفة محمد عليه الصلاة والسلام ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) وفى الكتب ( نسوا حرفا مما ذكروا به ) والذى لم يتسوه كتموه والذين لم يكتموه حرفوه ليبدى غير المطلوب ( يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) حيث أنهم نسوا وكتموا وحرفو وزادو فهذه أنواع التغير فيقولون الذبيح اسحاق وليس اسماعيل عليهما السلام وقد ولد اسحاق وعمر اسماعيل ( 11 سنة ) فتم التناقض .
فيوجد علامات للرسول صلى الله عليه وسلم :
1 ) ما شرط الساعة         2 ) ما أول ما يأكله أهل الجنة ( كبد الحوت )
3 ) متى يغلب الرجل المرأة فى العملية الجنسية ؟ فينسب الولد إلى أبوه أو إلى أمه
( إن الله لا يهدى القوم الظالمين ) لأن الهداية من الله عز وجل .
فلماذا كان الكفار كفارا والمؤمنون مؤمنون إذا كان كل ذلك من عند الله عز وجل فلماذا يحاسب ؟ يحاسب الله العاصى وقد كتب عليه أن يعصى وكذلك الكفر وكذلك الطائع وقد كتب له الطاعة فالله هدى الجميع لأن الهداية قسمان :
هداية ذات دلالة : يدل على الطريق    وهداية معونة : يفسرها  والذين هدوا زدناهم هدى
( فالله لا يهدى القوم الظالمين ) هداية المعونة ( أما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ( فقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه فقال الكفار لو كان الاسلام خيرا ما سبقونا إليه  فيوجد ايذاء مجابهة   وايذاء غيب
( قال الذين كفروا للذين آمنوا ) فلقد جمع بين الكفر والايمان فى أية واحدة .
( وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم ) ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) وفى أية أخرى
( ومهيمنا عليه ) ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
( قل إن تربصتم بنا إلا إحدى الحسنيين ( النصر أو الشهادة ) ونحن نتربص أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا )
( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون ) ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( إن الذين آمنوا ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون ) الخوف من شىء يؤذى .
الحزن من الفجيعة فى شىء محبوب    ربنا الله ممثلة فى العقيدة
ثم استقاموا مثلت أوامر العقيدة لمن اعتقدها ( الاستقامة ) ومعنى الاستقامة : السير على الطريق الذى آمنت به ( الله عز وجل ) لتصلح لك مهمتك فى الحياة صلاحا لك ولممن معك
والاستقامة كما قالت الهندسة أقصر طريق بين نقطتين ( ولا عوج فيها ولا أمتا ) فهى توصلك للغاية المنشودة ( الجنة ) فالتكليف ليس عليهم بل لهم .
( وشهد شاهد من بنى اسرائيل ) هذا الشاهد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمن أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن اليهود قوم بهت .
( ومتى يغلب الرجل المرأة فى العملية الجنسية للولد إلى أيهم أبوه أم أمه )
إذا سبق ماء الرجل المرأة نسب الرجل إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نسب الرجل إلى أمه فالاثنين خرجوا من مكان واحد فماء الرجل به ميكروب الذكوره وميكروب الانوثة إن سبق ميكروب ماء الرجل ماء ميكروب الانوثة كان الناتج ذكرا وإن سبق ميكروب الانوثة ميكروب الانوثة كان الناتج أنثى .
فالقرآن به عقائد ولكنه يمس الكونيات وخاصة أنه نزل فى أمة أمية فيوجد فى القرآن آيات تمس الكونيات يتركها الله عز وجل للزمن كى يشرحها .
( وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب ) ( يكور الليل على النهار )
( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ( ألم يكن نطفة من منى يمنى ) النطفة : الميكروب    يمنى : السائل الذى يعيش فيه الميكروب
( ألم يكن نطفة من منى يمنى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) فالعلماء يسمونها ( X )
و ( XY ) من الرجل ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) أولئك أصحاب الجنة .
على المنهج الذى أتوا به ( منهج رب العالمين ) ( القرآن الكريم ) ( من أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين ) فتأتى البشرى للمسلمين عند الموت من ملائكة الله عز وجل ( ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون )
الصاحب هو من اصطفيته من خلق الله لالتحام أخلاقه وسلوكه مع أخلاقك وسلوكك .
( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) ( أولئك أصحاب الجنة ) فالجنة كارهة للعاصى والنار تقول أحضروا لى العاصى ( وتقول النار هل من مزيد ) .
( أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها ) إن النعيم مهما علا فى الدنيا يهدد الانسان بشيئين هما
1 ) الحسد          2 ) ترك النعيم
( جزاء بما كانوا يعملون ) فضل من الله عز وجل   العمل : انفعال الجارحة لمهمتها
( عملها ) ( ووصينا الانسان بوالديه ) وهى : أن تطلب ممن توصيه عمل هذا العمل يفيده فى حياته وتؤكده بالتكرار عليه .
فكلمة وصية تأتى فى القرآن وصى وأوصى
( وصى ابراهيم بنيه ويعقوب ) ( أوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) ما مدلول الانسان
الانسان : من آدم إلى أن تقوم الساعة ( الجنس الانسانى ) مقابله فى الخلق المختار الجن
( يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) فالانسان منه المؤمن ومنه الكافر فهل الكافر موصى ؟ والطفل الصغير يوصى ما دام انسانا وإن لم يكن مكلفا ( إن فعل الحسنة يجازى
وإن فعل السيئة فلا يعاقب
فالانسان البالغ مكلف بالصلاة يجازى فاعلها بالخير وإن لم يقم بتمام الصلاة يعاقب
( أمروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) ليتمرن ويتعود على الصلاة
( ووصينا الانسان بوالديه احسانا ) فالوالدين هما سبب الوجود المباشر ويوجد سبب للوجود الأعلى ( آدم وحواء ) فالوجود الأعلى كان من عدم والوجود الثانى كان عن سبب وربط الله عز وجل عملية الميلاد من الأبوين بأقوى لذة يشهدها الانسان
فالأولاد لهم مشقة التربية ومشقة السعى لجذب الرزق أما طفولة الانسان طويلة لأنها مرتبطة بتكليف أوامر الله عز وجل فى كتابه ( القرآن الكريم ) من الطفولة للبلوغ
( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) من عجيب توصية الله عز وجل بالوالدين لأنها وردت فى القرآن ( 4 مرات ) مقرونة بالاله .
( وإذا أخذ الله ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين احسانا )
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ) سورة النساء
الأنعام ( قل اتلوا ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا بالله شيئا وبالوالدين احسانا )
الاسراء ( وقضى ربكم ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا )
فإحسان الولد لوالديه مقرونة بعبادة الله عز وجل لأن الوالدين سبب الوجود المباشر
( ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا ) ( لا تجدوا قوما يؤمنون بالله يوادون من حاد الله ولو كان أباؤهم أو أخوانهم أو عشيرتهم ) فالفرق بين الود  والمعروف
الود : الحب العاطفى             المعروف : يضعه الانسان فيما يحبه وفيمن يكره
احسان مصدر أحسن احسانا      احسان : أن تضع شيئا أحسن مما طلب منك من جنس ما طلب منك .
الذاريات ( إن المتقين فى جنات وعيون آخذين ما آتهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفى أموالهم حق معلوم ) وفى
آية أخرى ( حق معلوم للسائل والمحروم ) ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرما وقل لهما قولا كريما )   اف : كلمة تضجر
( منكم من يرد إلى أرذل العمر ) فالزواج المبكر يعطى رجلا يرعاك فى الكبر ( الشيخوخة )
من بر آبائه بره أبنائه ومن بر غير آبائه بره غير أبنائه .
( ووصينا الانسان بوالديه احسانا ) الاحسان زيادة المعروف للوالدين فإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .
( ووصينا الانسان بوالديه حسنا ) الفرق بين العبارتين :
( ووصينا الانسان بوالديه ) تجد الوصية والاحسان    الحسن : الاسم من عملية الاحسان
إذا بلغت فى العدل يقال فلان عادل أى هو نفس العدل لوجود مسألة عقدية لأن الآية بها
( ووصينا الانسان بوالديه حسنا ) ( وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم ) وفى آية أخرى ( وصاحبهما فى الدنيا معروفا ) لأن الآباء قسمين :
أب فى الحاجة للعيش والبقاء لولده فى الحياة    وأب لا يريد ذلك لأنه غالب نفسه .
المعروف : أن تقيم لوالديك حياة معروفة كريمة وفى الآية الأخرى :
( وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ) وفى آيات أخرى قال ( ووصينا الانسان ) ولم يقل احسانا ولا حسن لأنه لا يوجد لهما حاجة عند أولادهما .
( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وفى أية أخرى ( وفصاله فى عامين ) حددت مدة الحمل ومدة الرضاعة حيث قال على رضى الله عنه وكرم الله وجهه لعمر بن الخطاب رضى الله عنه وعنده امرأة يريد أن يقيم عليها الحد لأنها ولدت بعد ( 6 أشهر ) من زوجها والمعروف ( 9 أشهر ) لماذا ؟
لأن ذلك فى كرامة القرآن حيث يقول الله عز وجل ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وفى آية أخرى ( وفصاله فى عامين ) حيث أن العام ( 12 شهر ) ونصف العام ( 6 أشهر ) كيف نجلس بأرض ليس فيها أبو الحسن لأنه كان يحل لهم المعضلات التى يمرون بها فى حياتهم لأن الامام على كرم الله وجهه دخل الاسلام وهو صغير السن فكل المعلومات التى دخلت عقله معلومات اسلامية وما قبل ذلك معلومات جاهلية فلما انتقل رسول الله صلى الله علية وسلم للرفيق الأعلى شغل على كرم الله وجهه بالاجتماع فى ثقيف والأنصار حيث أنهم نصروا الاسلام قالوا من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير ولما بلغ ذلك على كرم الله وجهه قال : لم تحسنوا حجابه قالوا وكيف ؟
قال : أولم تسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ملأتم فاستوصوا بالأنصار خيرا وما فى هذا ؟
( وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) فالأب عقلانى والأم عاطفية .
فلو كانت الامارة فيهم لم تكن الوصية لهم فاحتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة
فالناس يفرقون بين على كرم الله وجهه وبين باقى الخلفاء الراشدون ( أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ) رضى الله عنهم أجمعين فقالوا ما أغضبك يا أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب رضى الله عنه ) فقد سألت حذيفة بن اليمان كيف أصبحت ؟ قال أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق وأصلى بغير وضوء ولى فى الأرض ما ليس لله فى السماء قال أتقولها يا أبا الحسن يحب الفتنة ( ماله وولده ) ( إنما أموالكم وأولادكم قتنة ) وأكره الحق ( الموت ) وما منا يحبه يا أمير المؤمنين فالتربية مهمة لتربية الشباب على الأخلاق الاسلامية فالأم تربى الأبناء فهى مدرسة وعاطفية فى مشاعرها لتربية الأبناء على الأخلاق الاسلامية من ( الصدق / الأمانة / الاخلاص / التواضع ) وغيرها من باقى الأخلاق الاسلامية أما الأب فهو يكدح لجلب الرزق لأسرته فهو عقلانى فالأب الذى يربى يأخذ ثوابين : ثواب الوجود للتربية وثواب التربية ذاتها .
ومن تربية الوالدين للأبناء يتربى المجتمع ككل على مبادىء الاسلام السمحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين وأشار باصبعيه السبابة والوسطى ) فحينما ترى ولد مات أبوه والأولاد الأخر لهم آباء موجودون فى الحياة فيتربى فيه الحقد فيقول فى ذات نفسه لماذا أبوهم موجود فى الحياة وأبى ليس موجودا فى الحياة فإن فقد أبا فقد وجد آباء فالتربية لها وقت فالشباب لا يربى وطاقته تستغل فى حركة الحياة
إنما التربية لها طريق آخر فتربية الشباب خطأ والأصح تربية الطفولة لأن الطفولة ليس لها تنتيحة وإنما الشاب عندما يقال له شيئا فإنه يتنح .
فالشباب عندما يريدون إعادة التربية فعليهم أن يستأنفوا طفولتهم .
( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) فوجود الشباب فى البيوت فى سن ( 25 سنة ) يجعل المسلمون متأخرون فى كل شىء بل يجب استعمال طاقة الشباب فى التنمية الشاملة لمجتمعاتهم فكل وقت فيه عمل وحركة .
فالتربية الأب يجلب الرزق والأم تدبر أمور الأسرة .
فالأم لها الثقافة الصحية والحياكة والطبخ فالأم تعطى طفولة للولد ما يناسب الولد وتعطى البنت طفولة ما تناسب البنت فهى تنبيه للغافل وتثبيت للعاقل .
فالتربية عند مفارقة البنت منزلها التى نشأت فيه والعش الذى فيه درجت إلى بيت لم تأليفه وقرين لم تعريفه فكونى له أمة يكن لك عبدا فلو أن المرأة استغنت عن الرجل لغنى أبويها وعدم حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال احفظنى عنى ( 10 خصال ) تكن لك ذخرا أولهما وثانيهما المعاشرة بالقناعة وحسن الطاعة أما الثالثة والرابعة فالتفقد لموضع عينيه ولموقع أنفه ولا تقع عينيه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح أما الخامسة والسادسة فالهدوء عند منامه والتعبد لوقت طعامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة أما السابعة والثامنة فالتدبير بماله والارعاء على حشمه وعياله أما التاسعة والعاشرة فلا تفشى له سرا ولا تعصى له أمرا فإن أفشيت سره لم تأمنى غدره ) فالأب والأم فى العصر الحديث تركوا تربية الأبناء للخدم فتربية الآباء للأبناء جزائهم الدعاء لهما ( وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) .
( ووصينا الانسان بوالديه حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين ) .
الشدة  : بلغ القوة فى الجسم والعقل ومن بلغ الأربعين ولم يكن خيره أكثر من شره فليجهز نفسه لجهنم لأن فى سن الأربعين يأخذ الانسان هدايته ومن يضمن أن يعيش الانسان للأربعين حتى يتوب فهذا يجعل الانسان يعجل بالتوبة لله عز وجل مخافة أن يحتضر لأن الله سبحانه وتعالى سيكلف فلو كلف قبل البلوغ ثم طرأ البلوغ بالمراهقة وفعله فى الجسد يقول العبد لقد طرأ فى جسدى شيئا لم يكن فى بالى عند الايمان بك فيؤجل التوبة حتى الموت فهذا منتهى النضج ومنتهى النضج فى الانسان أن يكون قادرا على إنجاب مثله وبما أنه قدر على إنجاب مثله فقد بلغ أشده من قوة جسده وعقله .
أوزعنى : قدرنى وقوينى على أن أكون قادرا على القيام بمسئولياتى فى الحياة لأنه قد يكون أسرفت على نفسى فى شىء غامض فعلته دون ارادتى .
النعمة : نعمة الوجود فى الاسلام ونعمة العقل   العمل الصالح : الذى له من الله عز وجل أمر   والعمل الطالح  : الذى له من الله عز وجل نهى .
ومما لم يرد فيه أمر ولا نهى فهو جائز فعله أو عدم فعله سواء .
ترضاه : بالمنهج الذى شرعه ( منهج الاسلام فى الحياة ) وتقبله وأن تثيبنى عليه .
أصلح لى فى ذريتى : معناها أنه ربما أسرف على نفسه فالأب عندما يتفوق ابنه عليه يكون سعيدا .
فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهى القلب ( أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا )  نتقبل عنهم       نتقبل منهم تعد بمن يقول ابراهيم عليه السلام تقبله منا
( إذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا ) .
( وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ) فما السبب ؟
لأن التوبة حاملة لك عبء المعاصى فلذلك يؤكد القول بفهم فمجىء حرف مكان حرف لديه حكمة عند الله عز وجل .
( الحمد لله الذى وهبنى على الكبر اسماعيل ) فكل المفسرين يقولون مع الكبر لأن الكبر لا ينجب ذرية أما على الكبر ( الخالق ) فالحق سبحانه وتعالى يأتى بالخير فى غير أوانه
( وإن الله لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) فكأن الظلم يقتضى العقوبة ولكن مغفرة الله علت على طلب العقوبة فالذنب يقتضى العقوبة ولكن مغفرة الله علت على الذنب .
الكبر يقتضى عدم الإنجاب ولكن طلاقة قدرة الله علت على عدم الإنجاب .
( إنى تبت إليك وإنى من المسلمين ) فالعقبة ليست فى العقيدة وإنما فى تنفيذ مطلب العقيدة
فالله عز وجل عندما يعد بشىء فلا توجد قوة تغير ذلك الوعد سواء بالنعيم للمؤمنين والمسلمين أو بالعذاب للكافرين والمنافقين .
( وعد الصدق الذى كانوا يوعدون )  وعد الصدق : الوعد بالجنة للشهداء والصالحين والمؤمنين .
فحين شرع الله عز وجل التوبة ليس للتائب فقط وإنما للمجتمع بأسره لأن الذى يعمل معصية فى حياته ولم يكن له الشروع فى التوبة منها فالذى يضار المجتمع .
( والذى قال لوالديه اف لكما ) نزلت فى ابن أبى بكر قبل أن يسلم أى أتضجر منكما على الالحاح منكم على الدخول فى الاسلام .
( أتعداننى أن أخرج من القبر وقد خلت القرون من قبلى ( انكار البعث ) فالبعث ليس فى الدنيا بل فى الآخرة والبعث لن يأتى إلا عندما يكون الكل غير موجود .
( وهما يستغيثان الله ) ( الوالدين ) يطلبون الغوث من الله عز وجل أن ابنهما لا يقف هذا الموقف .


( والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج من القبر وقد خلت القرون من قبلى ) وقصة الوالدين والولد قصة لها لقطات متعددة فى كتاب الله عز وجل ( القرآن الكريم ) لأن لهما من الأهمية ما يناسب تلك اللقطات فى كل أمورها وأحوالها ولذلك قرن الله عز وجل أمر الوالدين والولد بعبادته فقال سبحانه وتعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ) فجعل الاحسان للوالدين عقب الأمر بعبادته والأمر بعبادته هى قمة الصلاح فى المجتمع فكأنه قرن هذا بهذا ( وقضى ربكم ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا ) لماذا ؟
لأن الوالدين والولد هما الخلية للانسانية كلها فإذا صلحت الخلية صلح المجتمع كله وصلاح الخلية يتطلب أمرين :
1 ) أن نعلم أن الوالدين سبب مباشر لوجود الولد فلهما حق السببية فى الايجاد فلولاهما لما وجد الولد فلهما حق السببية فى الوجود وبذلك يدربنا الحق على أن نعترف لهما بهذا الحق حتى يكون الاعتراف بسبب الوجود احتراما وتقديرا وتعظيما احتراما للموجد الأول وهو الله عز وجل لأن الله عز وجل خلق الانسانية من عدم ثم أمدنا من عتب ثم خلق لنا قبل أن يخلقنا ( فالانسان طارىء على ما خلق له ) كالسماء والأرض والهواء والماء والنبات والحيوان فكأن الحق خلق لك قبل أن يخلقك فيجب الاعتراف بهذا الحق ولذلك لم يدع خلق الانسان أحد مع كثرة الملاحدة لأنه طرأ عليها وليس له قدره على أن يفعل شيئا حتى أنه يأكل فليس له قدرة على خلق نفسه ولا خلق السموات والأرض فطرأ على وجود لم يكن من المعقول قوله أنا الذى خلقته ( الانسان الملحد ) لأنه طرأ على وجود ولا يستطيع الحركة لمصلحة نفسه لا لمصلحة الغير لأنه لو سألهم أحد من خلقهم ليقولن الله ولأن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) لأنه طرأ عليها وطرأ عليها أضعف ما يكون لا يدرك شيئا حتى مصلحة نفسه فليس من المعقول القول بأنه خلق السموات والأرض ولا خلق نفسه ( قضية مسلمة ) فإذا صلحت الخلية ريادة على أننا نعترف بحق الاله الموجد الأول من العدم ( الله عز وجل ) احترموا السبب الذى أوجدكم من مباشر فإذا احترمتموه احترمتم الأصل الأصيل فقرن الله عز وجل يفرق بين انسان كافر أو مؤمن ومؤمن أو كافر وبين مؤمن وغير كافر كيف ؟ لأن ( وصينا الانسان بوالديه ) فلم يقل المؤمن فكأن مصلحة الكافر ينظم له بأن يحسن لأبويه فالانسان ككل ( ووصينا الانسان بوالديه ) لأن الانسان كله لله هو الذى جاء به للوجود والذى يجىء لك بالوجود لازم يتكفل بالانسان حياة ورزقا وإقامة فيجب أن نفرق بين شيئين فى الألوهية والربوبية :
1 ) الربوبية عطاء يربى    2 ) الألوهية تكليف معبود مطيع للأمر فالألوهية عطاء تكليفى افعل ولا تفعل ولكن الربوبية عطاء كلها ولذلك الانسان إذا أعجبته أمور لا يقدر عليها يقول يا رب يا من توليت ايجادى وتربيتى فخذ بيدى لكن الذى يستعين بتكليف الله يقول ( الله أعنى على طاعتك ) لأنه هو المكلف كآمنت أو كفرت لأنك لن تزيد بإيمانك بالله صفة من صفات الكمال لأنه خلقك بصفات الكمال فهو لا يريد منك شيئا فما هو التكليف افعل أو لا تفعل لصلاح المجتمع نفسه كتمنى الولد وحثه على الاجتهاد فى المذاكرة لكى ينجح وتأتى له بهدية فالحق يريد مجتمعا مؤمنا لأن صفات الله كاملة قبل أن يخلق الخلق وبهذا الكمال خلق الخلق ( فإنكم لن تبلغوا نفعى فتنفعونى ولن تبلغوا ضرى فتضرونى ) ( لو أن أولكم وأخركم وحيكم وميتكم وانسكم وجنكم وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى سلطانى شيئا ) ( ولو أن أولكم وأخركم وحيكم وميتكم وانسكم وجنكم وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا)
( ولو أن أولكم وأخركم وحيكم وميتكم وانسكم وجنكم وشاهدكم وغائبكم اجتمعوا فى صعيد واحد فسألنى كل واحد مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أغمس فى البحر ) وذلك لأنى جواد ماجد عطائى كلام وعذابى كلام ( إنما أمرى لشىء إذا أردته أن أقول له كن فيكون ) فحظ التكليف صلاح المكلف فيجب التثبت لمعطيات الحروف فى القرآن الكريم ( أولئك على هدى من ربهم ) ( أولئك على هدى ) أى أنهم هم المستعليين هما الذين فوق الهدى فالهدى مطية توصلهم للغاية الحلوة وهم ركوب ليوصلهم لغاية قصوى وهى الجنة فقصة الوالدين والولد لهما قصص فى القرآن كوالدين مؤمنين يريدان لولدهما ألا يكفر بالله عز وجل .
( والذى قال لوالديه اف لكما ) اف : الانسان يستعملها وأصلها عند رؤية شىء قذر تقول اف فهى كلمة تدل على التضجر والتضجر من شىء قذر فهى صوت يدل على التضجر فليست اسم ولا فعل ولا حرف وإنما هى مخالفة .
إف : أتضجر وأتألم وأنفر من المسألة .
فدعوة والديه له بالايمان بالله عز وجل تجعله متضجر ومتألم ومتنفر من مسألة الايمان فهو يريد الاستمرار فى الكفر ( أتعداننى أن أخرج من القبر وقد خلت القرون من قبلى ) فهل أبعث من جديد ؟ ( وهما يستغيثان الله ) ويلك ياهلاكك فهذا حرص الوالدين على ولدهما ليذيق حلاوة الايمان بالله عز وجل فالوالدين يدعوان ابنهما لرحمة ويكون جزائهما تلك الكلمة القبيحة ( إف لكما ) .
( ووصينا الانسان بوالديه حسنا ) فيوجد احسان وحسن  وحسن أبلغ لأن الاحسان فعل أحسن احسانا والحسن اسم للحسن نفسه .
فيجب على الولد أن يقوم بجميع أنواع الاحسان والحسن لوالديه فجمع جميع ألوان الحسن فى احسان واحد فالأبوين هما مؤمنين .
( وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) فالأبوين هما كفار فلا أريد أن تقسوا على أبويك لأنهما سبب وجودك وسبب الوجود يجب أن يحترم ولا نعلمك عقوق الوالدين لأن عقوق الوالدين يؤدى لعقوق الوجود الأعلى وهو ( الله عز وجل ) ولا نريد لك العقوق للوجود الأعلى ( الله عز وجل ) وحتى إن جاهداك على أن تكفر ( وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فما الحكم ؟ لا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا )
( لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) فما هو الاختلاف ؟
( وصاحبهما فى الدنيا معروفا ) فيجعلنا أن نقيم المعروف فى والدينا الذين يدعوانا للكفر وفى آية أخرى ( لا تجدوا قوما يوادون من حاد الله ولو كان آبائهم ) فالفرق بين الود والمعروف .
الود  : عمل قلوب وحب     المعروف : عمل جوارح وبسط يد
لأن الانسان لا يود إلا من أحبه ولكنه يعطى المعروف لمن تحب ومن لا تحب .
( والذى قال لوالديه اف لكما أتعداننى أن أخرج من القبر وقد خلت القرون من قبلى ) فالموت للانسانية ككل ويأتى الخروج من القبر فى الآخرة وليس فى الدنيا .
( وهما يستغيثان الله ) يستغيث : يستغاث بالله  وقد أتى بيستغيثان الله أن يغير قلب هذا الولد الجاحد ليلين قلبه حتى يسمع كلام الوالدين له بالدعاء له بالايمان بالله عز وجل ولا يحب الانسان الخير لأحد إلا لولده الذى من صلبه لأن الشىء الذى لا يقدر عليه الخلق لا يقدر عليه مخلوق ( الله مقلب القلوب ) .
معنى مقلب القلوب حينما قال الله عز وجل لأم موسى ( فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فالذهاب من موت مضمون لموت محقق لأن أمر الله عز وجل لا يعارضه شيطان ( إلا عبادك منهم المخلصين ) فوارد الرحمن لا يدخل فيه وارد الشيطان مع أنه حجة فى العلم والطاعة لأنه أطاع مختارا ولكنه لم يعص أبدا فسموه طاووس الملائكة أما الملائكة فهم مرغمون على الطاعة .
فالعالم ليس ميكانيكا وإنما العالم ارادة وقدرة ( فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ) فلقد سمعت الكلام ووضعته فى اليم (البحر ) .
كيف تم إعداد الانسان لأمر مستقبل قد يحدث ( إذا خفت ) فالأمر لم يحصل بعد ( قبل الحادثة )  ( إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليقه اليم بالساحل  ( أثناء الحادثة ) ( يأخذه عدو لى وعدو له ) لكى أسخر من فرعون بأنه سيربى من كان سببا فى هلاك فرعون وزوال ملكه على يد طفل من بنى اسرائيل ( موسى عليه السلام ) حيث كان فرعون يبحث عن الأطفال الذكور من بنى اسرائيل لكى يقتلهم .
( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) ( قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) ( أولم نر بك فينا وليدا ) ولقد ادعى فرعون الألوهية كذبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال بن رباح ( مؤذن الرسول ) أرحنا بها يا بلال ( الصلاة ) لا أرحنا منها بل أرحنا بها ( الصلاة ) .
( وهما يستغيثان الله ) معناها ( إن الله يحول بين المرء وقلبه ) يا رب أنت فوق الأسباب وأنت تخلق الأسباب فإذا أمر بحدوث أمر فلا يوجد له معارض لأنه لا يوجد لله غيره يشاركه فى الخلق والعياذ بالله فوعد الله حق وقد يعد انسان انسانا فلا يملك نفسه ولا قلبه ولا بقاء حبه فقد قلبه يتغير .
( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) أتى : وقع    فلا تستعجلوه : لم يقع بعد .
فيوجد تناقض فى ظاهر الآية ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) هذا هو الاختلاف بين أتى بمعنى وقع ولا تستعجلوه بمعنى لم يقع فى آية واحدة وهذا من اعجاز القرآن الكريم لأن الزمن ليس له حكم على الله عز وجل لماذا ؟ لأن الله عز وجل هو الذى خلق الزمن وما دام خلق الزمن فالزمن لا يستطيع التحكم به سبحانه وتعالى .
فإن جابر بن عبد الله كان مديونا لرجل يهودى وكان يعده إذا جاء النخل بالثمرة حجز منها ويقضيه دينه فجابر بن عبد الله اعتنى بالنخل فوجده خام فلم يأتى بالثمرة المرجوة فإخوان جابر بن عبد الله رضوان الله عليهم ذهبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جابر قد حان موعد قضاء دينه عند يهودى والنخل قد خاب فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودى أن يلزم جابرا ( يؤخره قليلا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودى انذر جابرا فقال لا يا أبا القاسم فذهب النبى للبستان ومر فيه ثم قال له أين عرشك يا جابر فقال له اذهب وجذ واقض ثم بقى لجابر الكثير من دينه لليهودى فكانت النتيجة البركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال له اذهب وجذ واقض فكأن الكثير من النعم عند جابر بن عبد الله فحين يريد الله أمرا يغير القلوب ويتغلب فيه على الأسباب فمن يعتقد فى أسباب الله الذى قالها وإن جاءت الأمور ضد ذلك فسيدنا موسى عليه السلام عندما خرج ببنى اسرائيل من مصر قوم فرعون فأتيهم فرعون بجنوده فقال أحد اليهود لموسى عليه السلام ( إنا لمدركون ) البحر أمامنا والعدو خلفنا قال موسى عليه السلام ( كلا إن معى ربى سيهدين ) ( فقال اضرب بعصاك الحجر فانفلق ) ولقد أصبح البحر يابسا فمر عليه بنو اسرائيل فلقد نجوا من فرعون وحينما مر فرعون وجنوده البحر انغلق عليهم وغرق فرعون وجنوده وقال فرعون وهو يموت ( آمنت بالذى آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين ) فقال له الله عز وجل فسنجعلك آية للناس
فلقد أنجا الله عز وجل موسى وقوم بنى اسرائيل واغرق فرعون وجنوده بشىء واحد
( البحر ) .
( وهما يستغيثان الله ) لأن قدرتهما على هداية الولد ليس لهما قدرة عليها ويطلبون من الله العون لكى يؤمن ولدهما .
آمنت به         آمنت له : صدقته
( ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب ) يا أصحاب العقول لأن القاتل عندما يعلم أنه إذا قتل فسيقتل فلا يقتل فينقذ حياته وحياة غيره .
الأن : انطق بالشهادتين للدخول فى الاسلام فمادة الألف والميم والنون لها معنى مكرر فى القرآن الكريم ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) أعنته : أعطيته الأمان .
( إن وعد الله حق ) ومعنى الحق : شىء ثابت لا يتغير لأن الحق هو ما حكم الله عليه بأنه حق لا يتغير ( سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) .
الحق : شىء ثابت لا يتغير ولكن مرة الحق يختفى والباطل هو الذى يسيطر فساعة يسيطر الباطل على الحق فيصبح من جنود الحق ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا ) فهذا استشراف للحق .
( الله أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ) كيف ؟ .
لأن حينما يأتوا بالحديد ويجعلوه صلبا عن طريق وضعه بالنار حيث يخرج منه المواد الغريبة ( ويضرب الله الأمثال أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض
كذلك يضرب الله الأمثال ) .
( أولئك الذين حق عليهم القول ) أولئك جمع ولكن الكلام فى واحد قال لوالديه اف فالمفرد يريد به الجمع ( والعصر إن الانسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) فيستدل من الانسان وهو الواحد ( الذين آمنوا ) وهم كثر جماعة
( أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين ) .
حق = ثبت وقد وردت فى آية سابقة ( إن وعد الله حق ) شىء ثابت لا يتغير لأن ما دام وعد فلا يوجد شىء يغير ما وعد فطلاقة قدرة الله لأنه لا إله إلا هو .
وكلمة حق بمعنى ثبت ووقع فكانت فى القرآن فى سور شتى ( وقد سبقت كلمتنا )
( وإذا وقع القول عليهم ) كلمة وقع : تدل على هبوط بعنف ودائما يجرى فى غير خير إلا فى قوله سبحانه وتعالى ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حضر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) ( ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرا وسعة )
( ومن يهاجر فى سبيل الله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) وهذا أمر ثبت بشدة .
( فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين ) لأن الله قال :
( قد أفلح المؤمنون ) مقابل ( خسر الكافرون ) ( إن وعد الله حق ) ما كان رد الذى قال لوالديه اف ؟ ( ما هذا إلا أساطير الأولين ) الأساطير جمع اسطورة والاسطورة الكلام المتخيل الخرافى الذى ليس له أصل .
( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) ( أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين ) .
فالجن سوف يعذب فهو مخلوق من نار فكيف سيدخل الجن النار وهو من النار والانسان من طين فهل استحميت فى البحر ( من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ( ولكل درجات مما عملوا ) فكل انسان سيأخذ من الجزاء على قدر درجته لأن الدرجات الأعلى والمقابل دركات فالدرجات لأعلى والدركات لأسفل ( وإن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ) فيقول ولكن من المسلمين والمسيئين من المؤمنين والكافرين والطائعين والعاصين فالكفار ليس لهم درجات بل دركات فهذه منتهى التهزىء ( فبشرهم بعذاب أليم ) فالتبشير يأتى بشىء سار فهذا يسمى تهكم ( إنك أنت العزيز ) فالمعنى تهكم أو يأتى بالدرجات ليغيظهم أكثر لأن الدرجات للعلو فالذى أخذ الدرجات فهم الطائعين ( ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) .
يوف  : يأتيها كاملة غير ناقصة     وفيت فلانا دينه : أعطيته كاملا .
( وهم لا يظلمون ) ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) يعرض : ظرف إذا وجد بمعنى حدث مقدر لأن الزمن لا يمدح ولا يذم إنما يمدح الزمن ويذم بما حدث فيه .
( يعرض الذين كفروا على النار ) ( يعرض على النار ) كيف ؟ فيقال أنا عرضت القماش على المشترى فالمشترى عاقل وتعرض عليه لكى يختار ( الذين كفروا يعرضون على النار أم النار التى ستعرض على الذين كفروا ) فالذين كفروا لديهم عهد والنار ليس لها عهد فيوم القيامة سيتبين أن النار عاقلة فيقال لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد ؟ وتشمت فى الكافرين فالحق سبحانه وتعالى يخاطب ما شاء بما شاء أن يفهم ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) فعندما أراد العلماء معرفة عمر الأشياء فيخلقوا من القطعة ويجعلونها كربون ثم يرى اشعاع الكربون ومن اشعاع الكربون يتم معرفة عمر الشىء كزرع الشجرة ثم تكبر الشجرة لمدة سنة فتوجد بها دائرة ثم سنتين فدائرتين أو ثلاث حسب السنوات التى مرت على الشجرة منذ زراعتها فالاشعاع يحكم على أعمار الأشياء .
( يوم يعرض الذين كفروا على النار ) العرض : يكون معروضا على عاقل ليختار ما يريد
النار : عاقلة يوم القيامة لأنها ستخاطب ويقال لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد .
لأن الله عز وجل له قوانين مع الأشياء أخرى ولعلمه لشىء من خلقه لفهم فماذا قالت النملة
( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) فلها عدالة فى المنطق ( فتبسم ضاحكا من قولها ) فلقد فهم معنى كلامها ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا ) فهذا العرض لن يكون فى الدنيا بل فى الآخرة عند قيام الساعة ( يوم القيامة ) فبعض الظن متضارب مع هذه الآية لأنه يتحدث عن قوم فرعون ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ليس فى الدنيا ولا فى الآخرة وإنما فى البرزخ لأن غدوا وعشيا لا تقال إلا فى الدنيا لأن الآخرة ليس فيها غدو ولا عشى يأتى من الشمس فلا يوجد شمس والأن تستنير فى الكون بأسباب مخلوقات الله ( فتبدل الأرض غير الأرض ) لأن الأرض أرض أسباب
( وأشرقت الأرض بنور ربها ) نور الحق فستأكل فى الجنة من طهى الله عز وجل للمؤمنين فى الجنة فلا يوجد غائط ويوجد أنهار بالجنة من عسل مصفى وخمر ولبن وما تشتهيه الأنفس تجده أمامك لأنك خير ما أسلفت من خير فى حياتك الدنيا .
( ويوم تقوم الساعة أدخلوا ) الدخول حسب العمل إن كان خيرا فدخول الجنة وإن كان شرا فدخول النار .
( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) لأن الصراط موجود على فوق جهنم
( يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا ) لأن سنة الله ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) فقال الله عز وجل للأسباب اخدموا من خدمك ؟ فمن يحسن الزراعة يأخذ منها ومن لا يحسنها لا يأخذ منها فالذى أخذوا عطاء الربوبية وأحسنوا فى الأخذ بالأسباب أخذوا فى الدنيا جزائهم أما فى الآخرة فلا جزاء لهم بل عذاب دائم .
( أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) فالذين قاموا بالاختراعات سيذهبون للنار لماذا ؟ لأن الأجير يطلب أجره مما عمل له فهل عملوا ما كان فى بالهم لله فأرادوا الانسانية والعظمة والتاريخ .
( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة )  السراب : هو ما يجعل الانسان عندما يرى السراب فى الصحراء يعتقد أنه ماء فإذا أقترب منه لم يجده شيئا بل يزداد فى البعد .
( ووجد الله عنده ) فلم يكن الله أمامه فى الدنيا أما فى الآخرة فوجد إله لم يكن يعتقد فى وجوده وإنما أخذه على غرة .
فلقد أخذت جزائك فى الدنيا فلقد أعطتك الدنيا أما فى الآخرة فلا يوجد لك رصيد عند رب العالمين سوى العمل الصالح أما العمل الطالح ليس له جزاء إلا جهنم .
 فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون
المعروف أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما ولى الخلافة كان زاهدا فسألوه لو شئت لكنت اطيبكم طعاما وأحسنكم لباسا ولكنى استبقى فرسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أهل الصفة فوجد لباسهم معيوب ققال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أيامكم خير أهذا اليوم أى يوم ما يهدى إليكم بجفان ويراق عليكم بجفان .
وعلى أبوابكم ستائر كستائر الكعبة المشرفة ( بما أسلفتم لنا ) خذها فى الآخرة .
فقال عمر بن عبد العزيز ( إن لى نفسا تواقة عندها طموح تقت إلى الامارة فلما نلتها تقت إلى الخلافة فلما نلتها تقت إلى الجنة ) .
دخل الامام على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه على العلاء بن زياد فلما وصل إليه قال أشكو إليك أخى عاصم بن زياد ( لقد لبس ندبه وتقشف وترك الدنيا ) فنادوا به فقال
( أترى أن الله أباح الطيبات ويكره من يستعملها ) ( إنى لستك أنت ) إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم لضعاف أمتهم حتى لا يتميغ الفقراء بالفقر ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة فى كل شىء فى لباسه وفى بيته قالت عائشة رضوان الله عليها تمر الأهلة ثم تمر الأهلة ثم تمر الأهلة ما أوقد فى بيت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ولكن من الأنصار كان لهم جيران ولهم منائح يأتوا بها باللبن ليأكلوها فماذا تأكلون قالوا الأسودان ( الماء والتمر ) أسوة بفقراء المسلمين .
( أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق ) ( الهون : الهوان / الذل ) فيوجد استكبار بالحق فالكبر على أهل الكبر صدق فالحق عندما يصف المؤمن لا يصفه فى قالب واحد ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) فكيف يكون الانسان ذليل وعزيز فى وقت واحد فالموقف مختلف ( بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فالانسان له قلب وله قالب القالب عمل الجوارح القلب محل الأسرار والاخلاص فيوجد استكبار وفسق ( وجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) القالب : الأوامر افعل كذا ولا تفعل كذا فالفسق شغل القالب والاستكبار شغل القلب .
( بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) رحم الله امرىء أبدى له بنفسه قوة ) وبما كنتم تفسقون  الفسق معناها مأخوذة من فسق الرطبة ( البلح ) فيأخذ أولا حجما ثم يلون فالفسق خروج الرطبة عن قشرتها والفسق الخروج عن وعاء الطاعة .
( واذكر أخا عاد ) اذكر كأن ذلك جاء لتذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم بمواقف التذكير فى مواقف الايمان فانظر إلى الرسل الذين سبقوك ماذا فعلوا ؟ فقد تعبوا وأتعبهم قومهم الفاسقين ولكن الغلبة والنهاية كانت لهم لرسل الله عز وجل فتعدد القصص بتعدد الأحداث التى تمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) فانظر لموسى وعيسى وعاد فهذه لقطات من قصص إذا اجتمعت أصبحت قصة واحدة ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ( واذكر أخا عاد ) أخ معناها الأخ يطلق اطلاقين ومعه يقوم للجمع الذى يؤدى كأخ وأخوات وإخوة فعندما يجمع على اخوة فالاخوة أخوة النسب
( وجاء اخوة يوسف ) ( اخوانا على سرر متقابلين ) ليست نسب بل منهج وقيد فعاد القبيلة
الأمة الذى قال فيها هود عليه السلام ( وإلى عاد أخاهم هودا ) أخاهم : أتاهم بالمنهج المخالف لمعتقداتهم ولهدايتهم لطريق الحق ( الله عز وجل ) والايمان به وكانت النتيجة الاستمرار فى الكفر والعصيان حتى أهلكهم الله عز وجل فالأخ إما نسبا أو دينا أو رحما
فالأخ لا يخدع أخاه فيجب أن تأخذه بالحنان لأنه أخ لك وعاد من العرب البائدة ومقرها جنوب الجزيرة العربية ( مسقط ) عاصمة دولة ( سلطنة عمان ) تسمى ( الأحقاف ) والأحقاف جمع قحف والقحف الرمل المستقيم ويعلوا وينخفض ويذهب يمينا وشمالا لأن الريح عندما تأتى تأتى من كل اتجاه وليس من اتجاه واحد .
( والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل فى ذلك قسم لذى حجر ألم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد ) فهى مطمورة تحت الرمال فالجبال مخازن أقوات البشر ( قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ) .
( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ) .
النذير : التخويف بشىء لم يأت وقته وفائدته إذا أنذرت بشىء لم يأت وقته بالنسبة للذى تنذره بألا يقع فيما أنذرته به .
( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله ) فكل الديانات أتت لتخبر أن العبادة يجب أن تكون لله عز وجل .
والعبادة  : الطاعة فى الأوامر والنواهى .
فعبادة الشمس فالعبادة طاعة العابد للمعبود فى كل شىء ما أمر به وما نهى عنه فما الذى أمرت به الشمس لكى تعبدها فماذا أعدت لمن عبدها وماذا أعدت لمن لم يعبدها لا شىء فلا منهج ولا ثواب ولا عقاب فهذه عبادة خاطئة فطبيعة الانسان به غريزة التدين منذ خلق آدم عليه السلام فالتدين له مطالب : وهو كبح جماح النفس عما تشتهيه من شهوات الحياة فهو يريد أن يرضى نفسه فإنه متدين ولكن من غير منهج يأمره بفعل كذا ولا تفعل كذا .
( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) ( قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ألهتنا )
الافك : صرف الحق إلى الباطل والصدق إلى الكذب ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )
( لا يجليها لوقتها إلا هو ) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكنى أراكم قوما تجهلون ) فالناس يفهمون أن الجهل عدم العلم فالجهل علم ما يناقض الحق والذى يفرق بين الأمى والجاهل   الأمى ليس لديه شىء   الجاهل لديه قضية باطلة ولا بد من نزع القضية الباطلة ونضع بدلا منها قضية حق .
( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) ( قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ألهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) تلك لقطة من لقطات قوم هود مع هود وقوم هود مع هود لهم قصة استوعبت لقطاتها من سورة سميت بإسمه وهى سورة هود هذه السورة تعرضت لكثير من اللقطات لأن هذه اللقطة اقتصرت بأن يتجهوا لعبادة الله وحده ( ألا تعبدوا إلا الله ) فلقد نهى ألا يعبدوا غير الله فإن عبدوا غير الله يخاف هو عليهم لأنه أخوهم من أن يمسهم عذاب عظيم فكان الرد منهم ( أجئتنا لتصرفنا عن ألهتنا ) وبعد ذلك قالوا ( ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) فعبادة الله والتحذير من عدم عبادته بالعذاب العظيم ( قالوا أجئتنا لتصرفنا عما كان يعبد أبائنا ) من هذه الألهة التى لا تضر ولا تنفع فقالوا ( إئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) فقد أتى لهم الله بالعذاب كما قالوا لهود عليه السلام .
أما اللقطات التى وردت فى سورة ( هود ) زادت على ذلك فما الذى زادته هذه اللقطات ؟
( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ) وما دام مفترون فسينشأ عنها العذاب العظيم ففيه كلام على السبب وعلى المسبب فالمسبب عذاب عظيم أما السبب أنكم افتريتم على الله باتخاذكم له شركاء فى العبادة بألهة لا تضر ولا تنفع فأية تعلقت بالسبب وأية أخرى تعلقت بالمسبب فيوجد زيادة وهذه الزيادة أتت على
لسان كل الرسل ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) فهذه العبارة أتت على لسان كل الرسل ما عدا رسولين لم تأت على لسانهم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذى فطرنى أفلا تعقلون ) قولك ألا أسألك على أمر أجر فكأنك تشير إلى أن الأمر الذى جئت به فى قانون الاقتصاد فقانون المبادلات يحتاج أجر فالأمر الذى أتى به هود عليه السلام أعظم من أن يأخذ عليه أجرا لأن قومه عاجزون على اعطائه الأجر المناسب لدعوته لعبادة الحق سبحانه وتعالى ولذلك إنى لا أطلب منكم أجرا لأن قدرتكم محدودة وأمرى عظيم فالذى يعطينى أجرى هو الذى ندبنى للمهمة ( إن أجرى إلا على الذى فطرنى ) وليس ارسالى وفطرنى فى أية أخرى بمعنى خلقنى .
معنى هود : ( إن هدنا إليك ) تبنا ورجعنا ( الراجع إلى ربه ) وهذه الكلمة جاءت على لسان كل رسول إلا رسولين لم تأت على لسانهم أبو الأنبياء ( ابراهيم عليه السلام ) وسيدنا موسى لم تأت الكلمة على لسانهما فالقوم كانوا يحاربون من يدعى الها غير الله فموسى عليه السلام كان يحارب فرعون الذى ادعى الألوهية بأن قال أنه هو الله بالكذب والافتراء على الله عز وجل .
( ما علمت لكم من إله غيرى ) ( فرعون ) لأن ابراهيم عليه السلام حينما دعا إلى الله دعا عمه وسماه أباه فلماذا لم يقل ابراهيم ( لا أسألكم عليه أجرا ) لأن أول من دعا ابراهيم عمه وسماه أباه وما دام دعا أباه فلم يكن من المعقول أن يأتى لأباه طالبا الأجرة .
وموسى عليه السلام لم يقولها لأن فرعون هو الذى رباه ( ألم نر لك فينا وليدا ) فنحن الذين ربيناك مخافة أن يكون الرد على هذه الكلمة فلم يقل ( استغفروا ربكم ) الله سبحانه وتعالى يقبل الرجوع إليه فإذا كنتم صنعتم شيئا فى هوس نفوسكم جاءوا إلى الله واستغفروه
( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) استغفروا عما مضى وتوبوا على ألا ترجعوا مرة أخرى للذنوب ( توبة نصوحا ) ( يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) ( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ) بل ( جئتنا لتأفكنا عن ألهتنا وما نحن بتاركى ألهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن تقول إلا اعتراك بعض ألهتنا بسوء قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون ) فلم يرد الدعوة عن نفسه بل ردها عن الله عز وجل
( من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ) ( فقال اضرب البحر ) فالبحر له سيولة فالماء أصبح كل طود جبل ثم فى طريق يابس فتبعهم فرعون وجنوده لكى يحصل موسى وبنى اسرائيل فقال الله لموسى إنك ضربت البحر ليس بالعصا بل بأمر الله عز وجل فقال له
( اترك البحر رهوا ) لأنى أريد أن يدخل قوم فرعون الطريق اليابس الذى فى البحر ليقول للبحر اذهب إلى سيولتك فيغرق قوم فرعون وجنوده فبقدرتى أنجيتك بشىء وأغرقت عدوك بشىء واحد وهو البحر .
( إنى توكلت على الله ) فلما حدث الجدل بين موسى وفرعون ( إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر ) حيث أن فرعون ادعى الألوهية كذبا وافتراء .
( قال رجل من أهل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ) ( فإن تتولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به ) فكانت السماء هى التى تقوم بعذاب القوم الكافرين للرسل السابقين على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أغرقنا ومنهم من خسفنا به الأرض ) أما أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أمنها الله على الخلق أعلاها هى التى تقوم بتأديب المعاند والمكابر .
( فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوما غيركم ) ففى آخر السورة
( هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه ) لأن الذى بيبخل بالذى فى يده فالذى يعطيه لا يعطيه لأنك لست مأمونا على عطائه أما عندما تنفق فى سبيل الله فأنت مأمونا على خلق الله فسيعطيك الله من الخيرات .
( فإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ولما جاء أمرنا الذى كانوا يستعجلونه ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ( نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ) عن طريق الريح ( ثورة الطبيعة ) من ريح عاصف مزعجة صرصر ) مخالفة لتكوين الناموس البيئى لكل الأشياء ( واتبعوا فى هذه الدنيا لعنة ) كل الناس تلعنهم الضالين والكافرين والمارقين وتبقى الدعوة إلى آخر العمر .
( قالوا أجئتنا لتأفكنا عن ألهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ( إنا وجدنا أبائنا على أمة ونحن على أثارهم مهتدون ) فهذا الكلام كذب منكم فالأمة الأولى فى أدم كانت مؤمنة فلو أن الذين أتوا بعدهم اتبعوا أبائهم لم يكفروا فكيف جاءت ؟ جاءت من الغفلة وإن لو اتبعتم آبائكم الغافلين فلا يجب اتباعهم لأن أباكم الأول ( آدم عليه السلام ) كان نبيا فبعد آدم اتبعوا آدم على الهدى فلو كنتم صحيح متبعى الآباء ما حدث منكم ذلك الانحراف لأن أباكم الأول كان نبيا ( آدم عليه السلام ) .
( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ( قال إنما العلم عند الله ) أنا مرسل فقط لكى أبلغكم ما أرسلت به ) فلا أعرف متى سيأتى العذاب ؟ ( ولكنى أراكم قوما تجهلون ) تجهلون أن الرسول جاء مبلغا ليس هو الذى يتولى الأمر فى الاهلاك والانجاء بل الله عز وجل هو الذى أرسله .
( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم )    العارض : السحاب فالضمير يعود على السحاب لأنه هو المعلوم بدليل قوله ( ممطرنا ) وممطرنا يعنى السحاب وكثير ما يعتمد القرآن الكريم على القرائن التى تبين مرجع الضمير اعتمادا على أن العقل بذاته يدرك المسألة
( ولو يواخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) فالمقصود الأرض .
( حتى توارت بالحجاب ) فالضمير الغائب يجب أن يكون له مرجع ولم يأت بضمير غائب ليس له مرجع إلا شىء واحد إذا كان الضمير للغيب والغيب المطلق وهو الله عز وجل .
( قل هو الله أحد ) كل ضمير غيب لا بد أن يكون له مرجع إلا شىء واحد وهو الغيب الذى نعتقده والضمائر ( 3 ) ضمير غيبة فالمرجع قد يكون ذات الشىء وقد لا يكون ذات الشىء
( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ) سحاب داكن محمل وقالوا يمشى على مهل لأن السحاب عندما يمشى على مهل يدل على أن الشحنة التى يحملها ثقيلة جدا وأثقل السحائب مشيا أحفنها ( قالوا هذا عارض ممطرنا ) لأنهم كانوا فى جدب والجدب مستشرف نزول الماء والسحاب الداكن آت بالمياه ( عارض ممطرنا ) لأن فيه فرق بين أنك تأتى لأحد الناس وتعطيه أمل ثم فجأة تقطع عنه الأمل لأن الأمل بسط نفسه وقطع الأمل قضم نفسه .
( فلما رأوه عارضا ) السحاب مستعرضا فى الأفق ( مستقبل أوديتهم ) قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم .
ريح : تدل على أنها من الشر وفيها عذاب أليم توضيح أكثر واجمال وتفصيل لأن عند استقبال الريح ساعة الافراد شريرة وساعة الجمع خيرة ( تصريف الرياح ) ليعدها نعمة
( أرسلنا الرياح لواقح ) لماذا ؟
فيوجد علم تفريغ الهواء وسيلة من وسائل القوة التى تحارب بها عدوك .
تفريغ الهواء : شفط المنطقة من الهواء فالرياح هى التى تسند جبال الأرض كلها
( اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ) فالرياح بها حياة الجمادات فالهواء المستنشق من الريح ( رخاء ) فلو امتنع الهواء عنا نهلك ونموت فى لحظة واحدة فالله ملك أسباب الطعام لخلق وملك أسباب الشراب لخلق فجعلنا نصبر على الطعام من جعلنا نصبر على الماء
( أغلبها 10 أيام ) إنما نصبر على الطعام لمدة شهر أما عن النفس ولا لحظة .
فالريح تثبت الجبال فى الأرض وهى سبب النفس .
( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم )  العذاب الأليم : تدمر كل شىء بأمر ربها فليس بطبيعة تكوينها تدمر كل شىء بل بأمر زائد عنها وهو أمر ربها .
وأهمية الريح فى الطبيعة فهو الذى أخرجها عن طبيعتها وأمرها بالتدمير كما أخرج النار عن طبيعتها وهى الاحراق ( كونى بردا وسلاما ) .
( تدمر كل شىء بأمر ربها )  التدمير : التخريب الشىء القائم بحيث لا يبقى منه شىء نستطيع ترميمه ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) لتصبح عبرة ( ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد ) .
( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) الأحقاف تدل على الغاية التى ستصل إليها لأن الأحقاف جمع حقف وهى الرمال المستطيلة المرتفعة فى البعض وآتية يمينا وشمالا ومنخفضة ومرتفعة فالريح الواحد يطمر القافلة فلا ترى .
لكن قوم هود الذين آمنوا به خط هود ( هذا ما استعجلوا به ) ولقد خط هود دائرة حوله وحول من آمن به لأن دائرة الذين آمنوا بك حافظ عليها .
الحق سبحانه وتعالى أعرض السورة بإيجاز ولكن فى سور أخرى ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ) سورة الحاقة .
صرصر : لها صوت مزعج يأتى من أعلى تدمر كل شىء إما نار تحرق أو ريح تدمر .
( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما )  حسوما جمع : حاسم
حسمت الأمر وفى آية أخرى أتت حسوما بمعنى أيام فقط فلماذا الأيام ثمانية والليالى سبعة
مع أنه المفروض فى التشريعات أن الليالى هى التى تسبق الأيام فالزمن يدخل بليلة فى التشريع لا بنهاره بدليل أن فى رمضان يثبت بليلة فقبل الصيام تصلى قيام .
متى تسبق السنة الفرض ؟
فهذا تغليب الأيام فالأيام ثمانية والليالى سبعة لكى يعطينا التوقيت بدقة فلقد بدأت فى الصبح
( نهارا ) وانتهت عند المغرب سبع ليال وثمانية أيام حسوما فالقرآن يذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر .
( متى تلبس الذكران قلائد النسوان ؟ ومتى تبرز ربات الحجال فى عمائم الرجال ؟ )
فالتاء أتت مع المذكر ولم تأت مع المؤنث مع المفروض أن التاء مع المؤنث وليس مع المذكر فيوجد ذكر وأنثى فالذكورة تأتى على طبيعتها أما المؤنث تأتى لها بتاء التأنيث لأن التأنيث فرع التذكير يحتاج لعلامة .
العدد مطلق   أصل العدد مبنى على التاء فلما جاء مع الذكورة أصبح على طبيعته فالعدد مع
الذكران مشى مع أصل العدد ؟ اسم العدد ( 3 ) مع الرجال استعمل مع الأصل .
فالأيام عند الفلكيين هى من وقت إلى مثله أى من الظهر إلى الظهر فساعة الظهر واحدة فى المساء رغم وجود النهار وفى منتصف الليل نقول الساعة ( 12 ) صباحا رغم وجود الليل فهذا يوم فلكى .
إنما اليوم فى التشريع من طلوع الشمس لغروبها .
( تدمر كل شىء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك )
كذلك : تدل على العبرة التى أعطاها لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الجزاء نجزى به كل كافر برسول نرسله بمنهج فاحذروا يا كفار قريش وإنكم يا قريش لم تبلغوا من القوة قوة قوم عاد .
( كذلك نجزى القوم المجرمين ) فيه لفتة لقريش لأن الله أخذ من هو أشد منهم قوة ومن عمل حضارات أكثر منهم ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) ولقد مكنا قوم عاد يا قريش بما لم نمكن أنتم يا قريش فيه ( ولقد مكناهم ) قوم هود فيما أى فى الذى ( إن مكناكم فيه )
إن تستعمل حرف نفى ( ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم ) .
( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بآيات الله ) .
( سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم ) وفى كل آيات القرآن الكريم السمع مقدم على البصر فكل جارحة تؤدى مهمتها منذ الولادة فعند ذهاب المرأة الحامل للطبيب لكى يرى وضع الطفل فهل هو فى وضعه الطبيعى للولادة أم لا ؟ فيجب أن تكون رأسه تحت لأن عندما تنتهى حياته بأمه له حياة خاصة بدليل أن الله قال ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) فله حياة ذاتية وأول شىء يحتاجه الهواء فتخرج رأسه أولا لكى يتنفس ثم يخرج باقى جسده فإن كان وضعه مقلوب فسينزل بقدميه فسيموت عادة إلا فى عملية قيصرية لانقاذه ومع ذلك يوضع فى الحضانة فالهواء أولا ثم الأذن تؤدى مهمتها فأول جارحة تؤدى مهمتها الأذن ثم البصر بعد يومين أو ثلاث ثم الأفئدة ووسائل الادراك الجوارح والجوارح تستقبل وأول ما تستقبل الأذن وهى الجارحة التى لا تنتهى مهمتها حتى فى النوم فالعين فى النوم تغمض فلا نرى لأن الأذن بها الاستدعاء فيجب أن تكون مستعدة لالتقاط الأصوات فحين تكلم الله عز وجل عن أصحاب الكهف ويريد أن يناموا ( 300 سنة ) وازدادوا ( 9 ) فالكهف فى الجبل والجبل بيئة للأصوات المزعجة كالبرق والرعد فلو كانت الأذن على طبيعتها لكانوا يقلقوا فى النوم وهو يريد أن يناموا ( 300 سنة وتسعة ) ( وضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا )
ضربنا على الأذان حتى لا تسمع شيئا .
أما فى البصر فقال أبصارهم لماذا ؟ لأن السمع عندما يأت صوت فالكل يسمع الصوت فى وقت واحد أما فى البصر واحد يغلق عينيه فلا يرى فالابصار يختلف فالأبصار متعددة .

( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) فى أى شىء ما مكناكم فيه أعطيناهم قوة وأشد مالا وعمروا الأرض أكثر مما عمروها وأعطيناهم أدوات الادراك من السمع والأبصار والأفئدة
( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ) السمع والابصار آيات تستقبل الأشياء فالحق سبحانه وتعالى قالها بواسطة الايحاء لرسوله صلى الله عليه وسلم حيث جعل أول ما يضع للطفل فى أذنه الآذان فكأن بمجرد ولادته وإلا كان التكليف أننا نؤدب فيه فيصبح عبث إن لم يكن يسمع فسيبقى عبث فالآذان يسمع فما مفهومه ؟
بقية الذرية التى أخذت من عهد آدم عليه السلام موجودة فيه فكأن أول ما يجد أن يعنى به
الآذان ( الله أكبر ) الله أكبر من كل شىء .
ولذلك عندما قلنا ( الذى قال لوالديه اف لكما ) دليل على أنهم ليسوا مشغولين بشىء مشغولون بأن ابنهما يتجاوز امتحان القبول فيقف البيت على رجل ثم امتحان الاعدادية ثم الثانوية لأنهم مشغولون بأمور الدنيا وهم الوالدين مشغولين بالأمر الأحق وهو مسألة الدين أولا حتى أن الولد زهق حتى قال لوالديه ( اف لكما ) فيجب أن يعتنى الآباء بالغاية الأولى للانسان وهى أن الله عز وجل خلقنا لنعبده فحين يستقبل أول ما يستقبل فى أذنه الآذان
( الله أكبر ) الله أكبر من كل ما نفكر فيه ومن كل ما يصرفنا عن الله عز وجل .
فستدخل فى تكوينه وما دام دخلت فى تكوينه فالتكوين صادف قلبا خاليا فتمكنها فالسمع مقدم على البصر لأن أول حاجة تؤدى مهمتها الأذن فلا تنتهى مهمتها فالأذن تتحد والأبصار تختلف فالأذن مفرد والأبصار جمع ( أبصرنا وسمعنا ) فحين تقوم الساعة
( يوم القيامة ) يقول الناس لرب العالمين ( أبصرنا وسمعنا ) قدم البصر على السمع لأن أول ما يفاجأ لا يسمع كلام بل يفاجأ بشىء مرئى ثم سمعنا بعد ذلك .
( فما أغنى عنهم سمعهم ) فسمعوا وقالوا والنبى أخذ وبلغ الرسالة ( ومنهم من يستمع إليك ) ( وجعلنا على قلوبهم أكنة وفى آذانهم وقرا ) فكأنهم سمعوا وكأنهم لم يسمعوا فما ذنبهم حينما جعل الله قلوبهم فى أكنة وجعل آذانهم فيها وقر ) لأنهم أحبوا ما هم فيه وكرهوا أن يسمعوا من أمر الدين شىء فالله قال لهم أنتم أحببتم الكفر وما دمتم أحببتم الكفر ولا تريدون التنازل عنه أنا أعينكم على هذا أجعل قلوبكم فى أكنة وأختم على قلوبكم حتى لا يخرج الكفر ولا يدخل الايمان فإننى سأساعدكم على الكفر ( فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم ) فما العلاقة بين السمع والبصر والفؤاد ؟
الفؤاد : القلب والمسائل التى نراها ادراكات والادراكات تعرض على العقل فيغربل فيها الحسن من السىء ثم يرى هل يوجد فيها أمر من الله عز وجل أم لا يوجد فيها أمر من الله عز وجل ؟ فإن كان فيها لله أمر فكل سمع وكل بصر يبعدنا عن السىء ويقربنا من الحسن حيث أننا نسمع ونبصر كل شىء يقربنا من الحقيقة ( الحق سبحانه وتعالى ) ثم يسقط فى القلب فيصبح عقيدة فمعنى عقيدة شىء معقود لا يخرج مرة أخرى فليس إيمان مذبذب .
عقيدة : شىء معقود لا يطفوا إلى العقل ليناقش من جديد فالعقل غربله وأخذ الجيد ووضعه فى القلب فأصبح عقيدة فلماذا القلب ؟
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن فى الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ) فالقلب يضخ الدم فى الجسم ليذهب للجوارح لكى تؤدى مهمتها فلما تكون العقيدة ملأى بالقلب تنيخ مع المادة العقائد وما دام ضخ العقائد فالأذن لها تكليف ( إذ سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) ( وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم ) فهل هى إذا سمعت أم إذا رأيت ( وقد نزلنا عليكم فى الكتاب إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ) فلا تقعدوا معهم وتلك ( أئذا رأيت ) فالسمع لا بد من وجود مسافة لكى تسمع أما الرؤية فتكون بعيدة عنك فستكون الرؤية بعيدة قليلا فبمجرد البعد لا تسمع وإذا رأيته من بعيد قد لا تراه فلقد أدت الوظيفة مهمتها وأدى القلب آداة العقيدة فى الدم الذى يضخه لأن الدم هو سر الحياة فلا تأخذ من واهب الحياة شىء يعوقك عن واهب الحياة فلا بد من أخذ الإيمان وأول ما تأخذه الآذان فى أذن الرضيع عقيدة الله أكبر فلا يشغلك أيها الانسان عن الله عز وجل حاجة ( الله أكبر ) شريعة تكبيرة الاحرام والصلاة عماد الدين التى فرضت من الله ليس بطريق الوحى ولا تسقط عن أى انسان فى أى وقت وهى جامعة لكل أركان التكليف فشعارها الله أكبر أكبر من ماذا ؟
( إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) فأخرجهم من عملية وهى البيع فلماذا تذكر البيع ولم يتذكر الزرع لأن البيع ربحه عادل أما الزرع فنزرع وننتظر
( 6 أشهر ) أوسنة لنحصل على المحصول فأخرجنى من عمل فالبيع قمة حركة الحياة فى الوجود لأن البيع إنما يتم بين منتج ومستهلك ( التجارة ) ( أدلكم على تجارة لن تبور ) فلما يقول الله أكبر فى الآذان أى أكبر من البيع ومن كل عمل يشغلكم عن الله ولا تظن أن الله عز وجل حين ناداكم أخرجكم من عمل يأخذ منكم وقتا لأنك ذهبت إليه لكى يشحنك قوة تبارك الزمن الباقى عن الزمن الأول .
إذن فالله أكبر من أى عمل فهو كبير فى ذاته لأنه أنشأنا من الأرض واستعمرنا فيها فالدنيا أهم من أن تنسى ولكنها أتفه من أن تكون غاية فهى ليست الغاية بل غاية أخرى فليس من أسمائه الأكبر ( الكبير ) فكيف يقول أكبر وكبير ؟ لأن أكبر يعنى أن الذى تبدأ به كبير كذلك لاعمار الحياة فحركة الحياة كبيرة ولكن الذى يناديكم منها أكبر لأنه يعينكم عليها فالله عز وجل عندما يختار اسم لا يقل الأكبر بل الكبير لأن الأكبر معاه كبير إنما الكبير معاه كل صغير
( وجعل لكم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بآيات الله ) فالمرأة التى تفقد وحيدها تحزن فيقال لها لا تحزنى حتى لا يعرف الله أنك ألفت الحزن ولم ترض بقدر الله فسأديم عليك هذا الحزن إن كان عندك أحد آخر فسأجعل الموت يأخذه منك .
( إذا أصابك شىء فلا تنظر من المصيبة ما أخذ منك ولكن انظر فيما بقى لك ) فتلاقى الذى بقى أكثر وربما تكون مصيبتك أهون من مصيبة غيرك .
( فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ) سمعهم : لبلاغ الحق من الرسل
أبصارهم  : لرؤية آيات الكون فلم يسمعوا بلاغ الحق ولا أبصروا لرؤية آيات الكون التى تدل على وجود الله عز وجل .
( وأفئدتهم غواء ) أى لم تنشغل بحاجة ( إذ كانوا يجحدون بآيات الله ) ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ) خطاب لقريش ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) فلما يسيروا ويروا مدائن صالح خالية ليس فيها آثار .
( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات ) ( أولم يروا أننا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه ) ( أفلم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ) يا قريش تنبهوا إلى أن لكم السيادة وكل القبائل تعمل لكم حساب ولكم سيادة بالبيت الحرام ( الكعبة المشرفة ) ومع ذلك تسرب الايمان إلى نفوس الناس فأرض الكفر تنقص وأرض الايمان تزيد فلماذا آمن خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ؟ لأن الأمر استقام لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد من الايمان به .
( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات ) لعلهم يرجعون عن كبريائهم وعن استكبارهم وعن جحودهم ) فلماذا تركونا كذلك ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم لإله واحد هو الذى خلقهم وخلق لهم الرزق قبل أن يخلقهم لأنهم ذهبوا للألهة التى لا تضر ولا تنفع .
( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا لله ) ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )
مع أنهم أمة كلام وعندهم سوق للكلام ( سوق عكاظ ) فما معنى العبادة ؟
العبادة : طاعة العابد للمعبود فيما يأمر ( بل ضلوا عنهم ) ( وذلك افكهم ) الافك : الكذب الذى يقلب الحقيقة ( وما كانوا يفترون ) تعمد الكذب .
فانتقل لآية أخرى لجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من جهاد المشركين من الانس انتقل إلى مسألة الجن والجن جنس مكلف لكنه غيب لا يمكن أن يرى ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) وله أن يتغلغل وله قوة أكثر من الانس فهو من النار والانسان من الطين والطين يخرج لنا الثمار التى نأكلها فالناشىء من الأرض يحجبه شىء من الأرض فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا وجود جنس غير مرئى ( الجن ) لكنه مكلف كالانس والجن الغير مرئى له قصة مع أبوكم ( ابليس وحركته ) فله ذرية لأن عدم السجود لآدم كان كبرياء منه على أمر الله بدليل قوله ( ءأسجد لمن خلقت طينا ) ( أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين ) فقال آدم لرب العالمين ( حكمك صحيح ) ولكنى لم أقدر على نفسى ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) فتقبل الله منه التوبة أما ابليس فقد طرد من رحمة الله فيوجد فرق بين أن ترد الحكم عن الله وبين أنك تعصى الله فى الحكم .
تعصى الله فى الحكم مصدق أن الحكم من الله عز وجل .
( فلأمرنهم فليغيرن خلق الله ) فكل نهى لا تفعله بل لا تقترب منه .
( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) الحلال    ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) الحرام
فالجن من النار والملائكة من النور
الحق سبحانه نقل الأمر فى رسالة لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانس إلى الجن إنما حكى ما قاله الله أن الجن استمعوا له ( قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد ) سورة الجن وستشهد لهم سورة الرحمن
( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) إنما نؤكد أمر المخلوق فيكم ( فهما ثقلان ) مكلفين ومحاسبين
فجاء جبريل عليه السلام فى صورة رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الاسلام والايمان والاحسان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبه عن أسئلته فيصدقه ثم ذهب جبريل عليه السلام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم .
لأن الملائكة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) فالمشترط فى النبى أن يكون بشرا والبشر من جنس ما أرسل إليه ويبقى اسوة للناس فذلك الجنى يتشكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمهم أن الجن جنس من الأجناس من ذرية ابليس فمنهم المؤمن فلما حكى فى السورة أعطانا السورة كاملة .
( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فاولئك تحروا رشدا أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأن لا ندرى أشر أريد بمن فى الأرض ) لقد قرأت سورة الرحمن على اخوانكم من الجن فكانوا أشد استجابة منكم فحينما أقول ( فبأى ألاء ربكما تكذبان ) ينطقون فى نفس واحد ( ولا بشىء من نعمائك ربنا نكذب فلك الحمد ) وكانوا أعلم بالله فتقرأ فى سورة الجن ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) السفيه ابليس ( أنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) فتعالت عظمة ربنا لأن الصاحبة والولد ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) ( فلولا نفر من كل فرقة منكم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم ) ( نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ) فلقد سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم
( وقالوا يا قومنا إن سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ) لأن كتاب موسى هو الكتاب الذى ينظم حركة الحياة ولكن عيسى جاء بوجدانيات التدين فلقد جمعوا ( التوراة مع الانجيل ) مع وجود عصبية بينهما وعملوها كتاب واحد ( الكتاب المقدس ) ( قالوا يا قومنا إن سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه ) جاء بما جاءت به الكتب السابقة ( يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم ) مما يناسب كونية أو عالمية التدين فكل رسول يأتى بزمن محدود ومكان محدود وقد يتعاصر الرسولان لأن العالم كان فى انعزال فلم يكن عندهم التقاءات فالعالم له وسائل التقاءات لم توجد فى العصور المتقدمة فكان العالم قديما عالم انعزالى وما دام كل عالم فى بيئة فله مفاسد خاصة فسيأتى الرسول ليعالج هذه المفاسد فبعضهم يعبد النار وبعضهم الشمس وبعضهم الأصنام فلما كان العالم سيتحد ويلتقى فلا بد من وجود رسول واحد لأن آفاق الدنيا ستتحد ومعالم الدنيا ستتوحد فلا بد من رسول واحد يكون لكل زمان ومكان ولذلك شرف كل زمان ومكان بالجامع للخير فى كل زمان ومكان ( محمد بن عبد الله ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى صراط مستقيم يا قومنا أيجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) .
( يغفر لكم من ذنوبكم ) ولم يقل ( يغفر لكم ذنوبكم ) لماذا ؟
فيوجد أشياء يوجد بعضها ويترك بعضها فالذنوب ما بين الجمعة والجمعة ربنا يغفرها
( ويجركم من عذاب أليم ) فالانسان سيعذب بالنار فكيف سيعذب الجن بالنار وهو مخلوق من نار ؟ ( إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم ) ( يا قومنا أيجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ) .
قالوا لأن الأصل فى الأشياء أن درء المفسدة مقدم على طلب المصلحة .
( ومن لم يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض ) معجز : حدث نشأ منه لا يستطيع عمله
القرآن المعجز : أعجز العرب على أن يأتوا بمثله
( ومن لم يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك فى ضلال مبين ) خلال ضياع تائهين .
ثم بلغتكم إلى آيات الله فى الكون لأن الجحد والانكار ما سمعوا وما أبصروا وما أدركوا
( أولم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن ) ( وما مسنا من لغوب )
يا ابن آدم لا تسألنى عن رزق غد كما لم أسألك عن عمل غد يابن آدم أنا لم أنس من عصانى فكيف أنسى من يطيعنى يابن آدم أنا لك محب فبحقى عليك كن لى محبا .
( أولم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شىء قدير ) ( إن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ) لأن كل وليد له السمع والبصر والفؤاد ( القلب ) قبل أن يوجد وجدت السموات والأرض
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) .
إن العرض على النار آخذ ( 3 ) لقطات فى القرآن الكريم :
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )
وهذه الآية ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق )
الطيبات التى يتنعم بها الانسان مما أحل الله إن كانت تشغله عن واهب المتعة بهذه النعم ولكن عندما لا تشغله بأن يذكر الله دائما فعند رؤية النعم فلا بد من قول ( ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) حتى يبرىء الانسان نفسه عن الاعتقاد أن الانسان هو السبب المباشر لهذه النعم .
فقارون عندما قال ( إنما أوتيته على علم عندى ) وما دام أحضرتها بعلم عندك فحافظ عليها
بعلم عندك ( فخسفنا به وبداره الأرض ) فرسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال عمر رضى الله عنه والله ما استوقف بصرى فى الغرفة شىء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير بال قد أثر فى جنبه الشريف فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدع الله أن يوسع على وأن يوسع على أمتك كما وسع على فارس والروم .
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب وقال له : أفى شك أنت يابن الخطاب
هؤلاء قوم أذهب الله طيباتهم فى حياتهم الدنيا ( كلوا واشربوا بما أسلفتم فى الأيام الخالية
وهناك عرض آخر غير أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا وغير أليس هذا بالحق .
فالعرض الأول فى القبر ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) فهؤلاء عرضان عند قيام الساعة .
أما العرض الأول فى الدنيا أم فى البرزخ فالأزمنة ( 3 ) الدنيا ثم نموت فنذهب للبرزخ ثم نبعث فنذهب للآخرة .
( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب )
فالعرض ليس فى قيام الساعة ويوم تقوم الساعة أدخلوا ) فيوجد فرق بين العرض والدخول
العرض : أنها تأتى لهم فى القبر ( النار ) لأن قوم فرعون لم يعرضوا على النار فى الدنيا فزمن الدنيا لغى أما زمن الآخرة ( يوم تقوم الساعة ) أدخلوا فيصبح الزمن الباقى زمن البرزخ عرض للعذاب الذى ينتظر صاحبه فى الآخرة .
فعذاب القبر عرض للعذاب الذى ينتظر صاحبه فى الآخرة فيرى ما ينتظره من رعب وعذاب
( ويوم ) ظرف أذكر يوم الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوم يعرض الذين كفروا على النار ) ذكرهم ( يوم يعرض الذين كفروا على النار ) قل لهم ( أليس هذا بالحق )
التى كنتم تكذبوه لماذا ؟
العلم ( 3 ) مراحل   1 ) علم يقين          2 ) عين يقين        3 ) حق يقين
الذين يكذبون بالآخرة والنار فالله سيريهم النار فى الآخرة  ألهكم التكاثر حتى زرتم المقابر  
فلما تكلمنا كنا نخبركم عن النار اخبار علم يقين ثم لترونها عين اليقين ( تروها ) ولا تروها فقط فيأتى حق اليقين فتدخلوها فالايمان بالنار علم يقين فالصراط مضروب على متن جهنم فيدخلوها فالعلم ( 3 ) مراحل علم يقين وعين يقين وحق يقين فحق اليقين لم يأت فى سورة الأحقاف .
( فإما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وإما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وإما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين )  أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
بسبب كفركم ثم يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ) فلقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنواع شتى من الايذاء حيث اتهموه بالجنون والسحر والكذب ولكن تعدت إلى الايذاء البدنى فكان فى كل ايذاء يتحمل ففى موقعة الأحزاب فإن المشركين واليهود اتفقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ( وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) فقال له الله عز وجل اسوة برسل سابقين فهؤلاء الرسل صبروا على أشياء :
نوح من أولى العزم جلس فى قومه ( 950 سنة ) ومع ذلك أخذوا يضربوه حتى يغمى عليه
ابراهيم عليه السلام رمى فى النار ولكن ايمانه لم يفقده بدليل أن جبريل عليه السلام أراد أن يختبر ايمانه وهو فى النار يقول له ألك حاجة فيقول له أما إليك فلا لكن فى حاجة إلى ربى فيقول الله عز وجل ( كونى بردا وسلاما على ابراهيم ) فى الصغر وفى الكبر ابتلى بابنه وقال له اذبحه بيدك ابتلاء ولكنه سلم فلما أسلما هو وابنه ناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وفديناه بذبح عظيم ) .
من رضى بقدرى أعطيته على قدرى ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ) فيوسف عليه السلام وضع فى البئر ثم بيع فى مصر ثم سجن فصبر يوسف على كل ذلك وكانت النتيجة أن الله نصره على أعدائه ( ولقد مكنا ليوسف فى الأرض ) فالمسألة الرضا بالقضاء يبين لك الله عز وجل الحكمة فى هذا القضاء .
( ولا تستعجل لهم ) ( فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك ) فحينما لا ترى عملهم فسترى الجزاء فى الآخرة ( ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) لأن الزمن فرع الحدث فإذا لم يوجد حدث لم يوجد زمن وما دام لا يوجد أحداث للنائم ولا يوجد أحداث للميت ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار )
وضربنا لكم مثلين :

1 ) أهل الكهف : جلسوا فى الكهف لمدة ( 309 سنوات ) ولكن حينما استيقظوا من النوم قالوا كم لبثتم قالوا يوما أو بعض يوم فلو أنهم رأوا فى أنفسهم أشياء تغيرت بالزمن فلم يحدث ذلك .
كذلك الذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها فقال أنى يحى الله هذه بعد موتها فأماته الله ( 100 عام ) ثم بعثه قال كم لبثت قال يوم أو بعض يوم قال بل لبثت ( 100 عام ) فالدليل على صدقهما صدق الذى قال يوم أو بعض يوم وصدق الله حين قال ( 100 عام ) فالدليل ( فانظر إلى حمارك ) فوجد الحمار كالتراب فصدق الله فى قوله ( 100 عام )
( كأنهم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) بلاغ فالبلاغ الوصول للغاية
( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) فإن فسقهم سبب لهلاكهم .


Comments

Popular posts from this blog

تفسير سورة الزخرف للشعراوى

تفسير الشعراوى لسورة النجم

تفسير سورة الزخرف للشعراوى